أسامة الزيني
قبل أيام كشفت صحيفة (يديعوت أحرونوت) النقاب عن أن شركة استثمارات تابعة للنظام الإيراني تملك حوالي 4.5 % من أسهم شركة «تيسِنكْروب» الألمانية التي تبني غواصات جديدة لسلاح البحرية لدولة الاحتلال الإسرائيلي. وعليه طالب نائب بالكنيست وزير الدفاع الإسرائيلي بتوضيح، متسائلاً: «هل أصبحت إيران تشارك إسرائيل أسرارَ المنظومات القتالية التي قد تستهدفها؟». وعلقت وزارة الدفاع الإسرائيلية على هذا النبأ بالقول إنها لا تعلم بوجود تدخل إيراني في شؤون الشركة الألمانية.
وإذا سلمنا بصدق رواية وزارة دفاع دولة الاحتلال عن جهلها بتملك إيران جزءاً من الشركة التي تصنع لها غواصاتها الحربية -وهذا مستبعد بالطبع-، فمن المؤكد أن إيران تعلم تمام العلم أن الشركة التي تملكها تشارك في تطوير قدرات جيش دولة الاحتلال التي لا يتوقف أقطاب النظام الإيراني ليلاً ونهاراً عن التهديد بمحوها من الوجود، وسط تكبيرات من الداخل الإيراني، وربما أيضاً إعجاب صامت في داخلنا العربي.
ولا مفاجأة في الأمر بالمناسبة، فهذا عالم السياسة، خطابات علنية تنطلق من حناجر الأنظمة هنا وهناك لدغدغة مشاعر مجاذيبها في الداخل والخارج، ثم تفاهمات واتفاقيات وربما عناق وقبلات في أروقة السياسة الخفية، العالم الآخر الذي لا يرتاده سوى ضباط الاستخبارات العسكرية، وعملاء بيع الأسلحة، وسماسرة الأوطان.
وواقع الأمر أن أنظمة دولة الاحتلال المتعاقبة، الشريك الأصيل والطرف الأساس في جميع ما يدار في أروقة السياسة العالمية، ولا سيما سياسة الدول التي أنشأت دولة الاحتلال في المنطقة من عدم، وتعمل جاهدة، على تأمين طوقها الحدودي بالفوضى الاصطناعية التي نعيشها نحن دول جوار دولة الاحتلال، تدرك تماماً أن النظام الإيراني القائم لن يطلق في اتجاهها أكثر من تلك العبارات التي يستمد منها شرعيته، في أحد مشاهد تجارة الأديان التي تمارس الآن كثيراً على مستوى الأنظمة، وهو أشبه ما يكون بقرار لتعويم الدِّيْن، على طريقة تعويم العملات المحلية، دخلت بموجبه هذه الأنظمة إلى سوق الأديان الرائجة، بهذه الشعارات الجوفاء التي تطلقها في وجه دولة الاحتلال، في أحد أكثر المشاهد التمثيلية براعة وإتقاناً وخداعاً أيضاً حتى إننا أحياناً نصدق؛ لتفوز بحصتها من كعكة سوق الدين الرائجة، وتتقاسم جَني عوائدها المشبوهة مع بقية المتاجرين في سوق سوداء للعقائد، ظلت حكراً على الجماعات المتطرفة لعقود ماضية، فكسبت تعاطف ملايين ارتفعت حناجرهم بالتكبيرات لسقوط برجي مبنى التجارة العالمي بنيويورك في سبتمبر/ أيلول 2001، ثم ترتفع الآن بالحوقلة والاسترجاع (لا حول ولا قوة إلا بالله، وإنا لله وإنا إليه راجعون)، وأوطانها تُذبح وتُسلخ وتُقطع وتُشوى كالأغنام الشاردة، عقاباً لها على تكبيرات الماضي القريب.
إن دغدغة مشاعر العوام باسم الدين، أصبحت تجارة رائجة، تجارة حرام، ترتاد سوقها الآن أنظمة إلى جانب الجماعات المتطرفة على حد سواء، وترتادها أيضاً جماعات الإسلام السياسي، ولا يعدو الأمر أن يكون عباءة تخفي خلفها تشوهاتها، وستاراً تمارس من ورائه التجارة المحرمة ذاتها.