زكية إبراهيم الحجي
أولادي هم أغلى الناس عبارة نرددها جميعاً.. وبقدر دفء هذه العبارة واستمتاعنا بترديدها، إلا أن الكثير ممن يرددها فإنما يردد عبارة مزركشة منمّقة ولكن بباطن أجوف..
رغم تعدُّد السلبيات التي يقع فيها الآباء والأمهات في التعامل التربوي مع أبنائهم.. ورغم كثرة البحوث التي تُطرح بين الفينة والأخرى وتستعرض أفضل طرق وأساليب التعامل مع الأبناء، إلاّ أنّ كثيراً من الأُسر تفتقد المبادئ التربوية الأساسية في التعامل مع الأبناء.. ومن يتوهّم أنّ واجبه كأب ينحصر في تأمين حاجات أبنائه المادية فقط فقد أخطأ، فغلاوة الأبناء وسعادتهم لا تقتصر على الجوانب المادية فقط بل تمتد إلى أكثر من ذلك.. فكفى بالمرء إثماً أن يُضيع من يعول ..
لست بصدد استعراض ذلك الكم الهائل من سلبيات يمارسها الآباء والأمهات بحق أبنائهم.. ولكن سأتناول واحدة ربما تكون من أكثر وأهم السلبيات المتفشية في البيئة الأُسرية، ألا وهي غياب الجلسات والحوارات المجدية، والمشاعر الوجدانية، التي كانت في زمن الطيبين متنفساً وسكناً للابن مع أبيه وللبنت مع أمها وللأسرة جميعاً..
لغة الحوار هي بمثابة لغة حياة فكيف إذا سادت في أجواء الأسرة.. ثم أليست هذه اللغة ركيزة أساسية للانسجام والتفاهم والعلاقة الحميمة الناضجة بين الآباء والأبناء، وعن طريقها يتمكن كل أب من الدخول في عالم الأبناء الخاص، والتعرف عن كثب على مجريات عالمهم وما يدور في خلدهم.. وهل تعلم أيها الأب الكريم بأنه وتحت مظلة الحوار المستمر بينك وبين أبنائك في مجلس الأسرة، تتحول علاقة البنوة إلى علاقة صداقة.. حصادها تبادل الأسرار والتجارب والآراء.. تعزيز التوازن النفسي عند الأبناء وإثبات الذات.. الثقة المتبادلة بين جميع أفراد أسرة البيت الواحد.. بل الأهم من ذلك كله غياب نزعة الخطاب الفوقي السلطوي المتشبع بالأوامر والنواهي، والذي يمارسه كثير من الآباء مع أبنائهم ..
إنّ ما يؤسف له اليوم أنّ علاقاتنا الاجتماعية تأثرت كثيراً في ظل عصر يموج بالمستجدات التقنية المتجددة وبشكل متلاحق، وبات الهوس بالتقنيات الحديثة ظاهرة متنامية حجبت أفراد الأسرة الواحدة عن بعضهم البعض.. الأجساد حاضرة تحت سقف واحد والقلوب لاهية في عالم آخر.. عالم اللهو والشغف بلا حدود.. نحن لا ننكر مزايا التقنيات الحديثة التي غزت بيوتنا وأصبحت جزءاً من حياتنا، ولكن مخاطرها طغت على حياتنا الأسرية والاجتماعية، ومع ذلك لا تزال الفرصة متاحة للجميع للتغيير الذي ينعكس إيجاباً على جميع أفراد الأسرة.. فإذا نجح الوالدان في تقديم نموذج يحتذى به أمام الأبناء ويقوم على أساس الحوار الهادف البنّاء، فسوف ينجحان في خلق جو أسري مفعم بكل مشاعر الحميمة والحب والاحترام.