يوسف المحيميد
ليس هناك ما هو أكثر أهمية من حفظ الأمن في الشارع وفي المنشآت، ومن يقف من شرطة ورجال مرور ورجال أمن منشآت من القطاع الخاص، هم مسؤولون عن حفظ الأمن، والمحافظة على أرواح البشر، وعلى النظام، ولكن بجانب قلة تواجد هؤلاء في كثير من المواقع، يكثر في أيدي بعضهم أجهزة الجوالات الذكية، لينشغلوا فيها تماما، تمر بهم دون أن يدققوا في هويتك، ولا في ملامحك، ولا في مركبتك، بل إن بعضهم لا يشعر بك أصلا، وبمرورك أمامه. حتى لو كنت مخالفا، ومتجاوزا الأنظمة والقوانين.
هؤلاء وما يحملون من جوالات ملهية، يذكرونني بأهالي القرى قديما، الذي يسمون طائرًا جميلا، باسم «أم سالم» وهو الاسم الأكثر شهرة، يظهر في الربيع، يعلو ويهبط بشكل عمودي كمن يبشر بالربيع والمطر، مصحوبا بزقزقة جميلة ولافتة، حتى يلهو رعاة الماشية خلفه، وملاحقته، فيلهون عن قطعانهم مما يعرضها للضياع والاعتداء، فلقب هذا الطائر أيضا بلقب «ملهي الرعيان»، وهو لا يختلف عن الجوال الذكي اليوم، كلاهما يلهيان الناس عن أعمالهم ومهامهم، ولكن يزداد الأمر سوءا حينما يتعلق بمن ترتبط أعمالهم بحفظ الأمن والنظام.
رغم ذلك، لا يعني ذلك أن الجميع في الشوارع منكسو الرؤوس على جوالاتهم، وإنما هناك من يعمل بإخلاص وضمير، ويشعر بالمسؤولية، إلى درجة أن أحدهم، وهو رجل مرور، لكي يضبط عدم تجاوز المسار والدخول الخاطئ، يحمل دفترها صغيرا وورقة، فلا يوقف المخالف الذي يحشر سيارته عنوة في مسار غيره، كي لا يعطل السير، وإنما يسجل رقم لوحته حينما يعتدي على المسار الآخر، فهذا نموذج مخلص لعمله ووطنه، وقد يعترض البعض بأنه يخدع قائدي المركبات بتسجيل مخالفات عليهم دون علمهم، لكن هذه التصرفات من أبجديات شروط القيادة، فيجب على قائد المركبة أن يدرك أنه بتصرفه هذا يخالف النظام ويؤذي الآخرين، حتى لو لم يكن هناك رجل مرور في الموقع.
إن الأمر يزداد سوءا في حراسة المنشآت المهمة، التي قد تكون مستهدفة، وتحتاج إلى عناية خاصة، ومراقبة كبيرة للدخول والخروج منها، فلا بد من المسؤولين عن حفظ أمنها التخلص من (ملهي الرعيان) ووضعه في جيوبهم، أو حفظه في مكان آمن لحين انتهاء وردياتهم في الحراسة.