حبيب عن الأحباب شطت به النوى
وأي حبيب ما أتى دونه البعد!!
كثيراً ما يمر بالإنسان أحزان تغير صفو الحياة عليه وتكدر خاطره ما بين حين وآخر، ويختلف وقعها على النفس، فأكثرها وأوجع ضرباتها على القلب موت الفجأة لغالٍ أرقلت به يد المنون على عجل مثل رحيل الابن البار بوالديه الواصل لرحمه الأستاذ الكريم عبدالعزيز بن إبراهيم القضيب الذي انتقل إلى رحمة الله قبيل صلاة فجر يوم الأحد 13-2-1438هـ إثر نوبة قلبية حيث انسلت روحه الطاهرة بهدوء، وهذا من لطف الله به عن عمر يناهز الخامسة والخمسين، وأديت صلاة الميت عليه بعد صلاة المغرب بجامع الحزم بمحافظة حريملاء، وقد اكتظ المسجد بجموع غفيرة رجالاً ونساءً، معظمهم من زملائه وتلامذته ومعارفه حضروا من مدينة الرياض ومن البلدان المجاورة، ثم تبع جثمانه الطاهر عدد كبيرمن المشيعين إلى أن وارته التراب بمرقده بمقبرة - صفية.
مجاور قوم لا تزاور بينهم
ومن زارهم في دارهم زار همدا!!
والحزن باد على الجميع لما له من مكانة عالية في قلوب مودعيه - تغمده المولى بواسع رحمته ومغفرته - ولقد ولد أبو عبدالله في مدينة حريملاء عام 1383هـ وتلقى تعليمه الأول بالمدرسة الابتدائية الأولى بحريملاء، ثم التحق بالمعهد العلمي بحريملاء وبعد حصوله على الشهادة الثانوية عام 1403هـ شخص إلى مدينة الرياض فالتحق بكلية أصول الدين حتى نال الشهادة العالية بها 1407هـ ثم عين مدرساً، بعد ذلك رشح مرشداً للطلاب مع إشرافه على عدد من حلقات تحفيظ القرآن الكريم بجامع الراجحي بحي السويدي على مدى أكثر من خمسة وعشرين عاماً تقريباً، واستمر على ذلك بكل جد وإخلاص محبوباً لدى زملائه وأبنائه الطلبة الذين أسفوا على سرعة غيابه عن نواظرهم لما يتحلى به من دماثة خلق، ولطف مع الصغير والكبير:
تخالف الناس إلا في محبته
كأنما بينهم في وده رحم!!
فهو أستاذ مخلص يندر أمثاله في حسن تعامله مع طلابه وتفقد أحوال الضعفة والمساكين منهم بحسن توجيههم، وإحضار بعض الملابس للفقراء منهم إذا لحظ ذلك على هيئاتهم لجبر خواطرهم ليظهروا بالمظهر اللائق مع أقرانهم - جعله الله من الذين يؤتون أجرهم مرتين عند لقائه -، وقد لقيه بنفس راضية وبقلب سليم، كما أنه لايفوته يوم فيه أجر: يحضر الصلاة على الجنائز ويواسي المحزونين، ويزور المرضى من الأقارب على فترات متقاربة آخر زيارته لخالته هيا شقيقتي - شفاها المولى- أم الدكتور محمد بن عبدالعزيز العقيلي بالرياض، بعد صلاة مغرب الليلة التي توفي في آخرها مودعاً والده وأشقاءه بعد تناول طعام العشاء معهم في حريملاء، ولم يدر بخلده ولا بخواطرهم أنه آخر اجتماع بهم - كان الله في عونهم وعون والدهم وأبنائه وبناته وعقيلته أم عبدالله -رحمه الله رحمة واسعة -
يا راقد الليل مسروراً بأوله
إن الحوادث قد يطرقن أسحارا!!
ولقد توالت الأحزان عليهم بوفاته وبموت والدتهم شقيقتي منيرة ثم شقيقتهم أم عبدالرحمن العيسى -رحمهم الله- وقد وهبه المولى رحابة صدر، وطيب معشر، وحب لحاملي القرآن الكريم، كما كان يبذل نفسه في الشفاعات للناس فيما ينفعهم، وكان لا يذكر أحداً إلا بخير، فهو محبوب في أسرته ومعارفه ولدى أبنائه الطلبة وزملائه:
وإذا أحب الله يوماً عبده
ألقى عليه محبة في الناس
فهو مغبوط بما حباه الله من صفاء قلب واستقامة في دينه منذ شبابه إلى أن غادر الحياة مأسوفاً على فراقه، ولقد حزنت على بعده عن ناظري بعدا لا يرجى إيابه:
وأرى الحياة لذيذة بحياته
وأرى الوجود مشرفاً بوجوده
فلو أنني خيرت من دهري المنى
لاخترت طول بقائه وخلوده!!
تغمده الله بواسع رحمته ومغفرته، وألهم والده الأستاذ إبراهيم وعمه الشيخ عبدالرحمن وإخوته وأبناءه وبناته وعقيلته أم عبدالله وجميع أسرة آل قضيب والخريف والوطبان ومحبيه الصبر والسلوان. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
- خال الفقيد/ عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف