تفضّل خادم الحرمين أدام الله عزه بكلمة وافية ضافية في افتتاح أعمال السنة الأولى من الدورة السابعة لمجلس الشورى، كلمة خادم الحرمين حظيت بمتابعة واهتمام محلي وعالمي، لما تضمنته من معانٍ وبيان لسياسة المملكة العربية السعودية ودورها السياسي والاقتصادي والتنموي كأحد أهم الدول المؤثرة في الاستقرار والسلام العالمي، فقد بين حفظه الله أن الدولة السعودية ومنذ تكوينها الأول قبل (300) عام وهي تجابه التحديات وتكابد الصعوبات لتحفظ كيانها وتحمي مقدساتها وتوفر لمواطنيها حياة كريمة آمنة نامية، فبعد أن قيّض الله لها قيادة المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن، ليعود بعزم وبصيرة ويقود رجالاً وجدوا فيه المحقق لآمالهم وطموحاتهم في إعادة بناء الدولة السعودية من جديد وللمرة الثالثة، بناء أصلب مما كان وأشد تماسكاً، مع أن الظروف التي أحاطت بعملية التأسيس كانت ظروفاً متغيرة بوتيرة ومثلت تحديات خطيرة فعاصرت الدولة حربين عالميتين عصفت بكثير من البلدان المحيطة غير أن حكمة ودراية وبصيرة المؤسسس رحمه الله جنبت البلاد تلك الويلات وتخطت بها تلك الظروف الصعبة.
تحدث خادم الحرمين حفظه الله عما تحقق بفضل الله للدولة من تمكين في الساحة الدولية الاقتصادية وتبوأها مركزاً متقدماً بين اقتصاديات الدول العريقة والتي سبقتها في التنمية، فأصبحت عضواً فاعلاً ومؤثراً في (مجموعة العشرين ) كواحد من أهم (20) اقتصاداً في العالم و بات العالم يتلقى باهتمام، أخبار النشاطات الاقتصادية السعودية، فأصبحت المملكة من أكثر الدول الجاذبة للاستثمار الأجنبي ومن الدولة المتقدمة في معايير المنافسة العالمية وما هذا إلا دليل دامغ على مدى الثقة التي يوليها المستثمر الأجنبي لقيادة هذه المملكة وكفاءتها في تحقيق استقرار سياسي واجتماعي ونمو اقتصادي، مع ما نعاصر هذه الأيام من فتن تموج بمحيطنا الدولي.في ثنايا خطاب خادم الحرمين سدد الله مقاصده، تحدث حول الرؤية الإصلاحية الجديدة للدولة (2030) حيث وضعت لها أهدافاً إستراتيجية تحقق بها نمو واعد للوطن يعتمد على تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد كلية على النفط، مما يحقق تنمية مستدامة من أهم سماتها تحسين مستوى الأداء للقطاعين الحكومي والخاص وتعزيز الشفافية والنزاهة ورفع كفاءة الإنفاق من أجل جودة الخدمات المقدمة للمواطن، هذا البيان في خطاب مولاي خادم الحرمين الشريفين يشعر المواطن السعودي بغبطة وفرح واستشراف لمستقبل واعد حيث بين حفظه الله أن الدولة ستسعى لرفع نسبة الصادرات غير النفطية ورفع نسبة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والانتقال لمراكز متقدمة في مؤشر التنافسية العالمي، وتخفيض معدل البطالة وزيادة الطاقة الاستيعابية لضيوف الرحمن، وزيادة الإيرادات غير النفطية، ورفع نسبة تملك السعوديين للمساكن، ورفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل.
أكد حفظه الله، أنه انطلاقاً من حرص الدولة على الصحة العامة للمواطنين في جانبها الوقائي والعلاجي، فسوف تولي قطاع الصحة اهتماما يرتكز على استثمار ما بذلت الدولة في العقود الماضية، وتحقيق الاستفادة المثلى من المدن الطبية والمستشفيات المنتشرة في ربوع المملكة من خلال شركات حكومية يتم تخصصيها في المستقبل، وتوسيع قاعدة المستفيدين من نظام التأمين الصحي، وانطلاقاً من حرص الدولة على تنمية القدرات والكفاءات السعودية الممكنة للنمو الإنتاجي فقد أكد حفظه الله على أن الدولة ستستمر في الاستثمار في التعليم والتدريب الذي سوف يوفر فرصاً للتنوع المعرفي والمهاري التي يحتاجها سوق العمل.
في ثنايا خطاب خادم الحرمين الشريفين أيده الله تكلم بلغة القائد الذي لا يخفي عن شعبه ما يهمهم وما يشغل أذهانهم، فذكر أن ما يعانيه العالم من تقلبات اقتصادية أدت لضعف النمو في معظم دول العالم وانعكست على اقتصادنا في صورة تدني أسعار النفط مما أثّر في حجم إيرادات الدولة، لقد بين حفظه الله أن التعامل مع تلك الحال لم يثنِ الدولة عن التطلع لتحقيق أهدافها وأن ما تم اتخاذه هو إجراءات مرحلية وأن بعضها مؤلم فقد وجه حفظه الله بوضع إصلاحات اقتصادية ومالية وهيكلية شاملة، منها رفع كفاءة الإنفاق الرأسمالي، ورفع كفاءة الإنفاق التشغيلي والعمل على الاستفادة المثلى من إيرادات الدولة، واتخاذ سياسات وإجراءات رامية لتحقيق إصلاحات هيكلية واسعة في الاقتصاد الوطني لضمان تنويع مصادر الدخل وإعطاء الأولوية للاستثمار في المشاريع والبرامج التنموية التي تخدم المواطن بشكل مباشر.
وفي عبارات مؤثرة تعكس عمق التلاحم بين القائد وشعبه، قال حفظه الله « وإننا على ثقة في المواطن السعودي وجديته، وهي ثقة لا حدود لها، نعقد عليه الآمال الكبيرة في بناء وطنه بالعمل المخلص الجاد، والشعور بالمسؤولية الوطنية، وهذا ما نعرفه عن مواطنينا ونأمله منهم، ونحن بعون الله ثم بمساندة أبنائنا المواطنين ماضون في مواجهة المخاطر والتحديات وتطوير بلادنا ورقيها بما يتفق مع قيم الإسلام وتعاليمه السامية».
استعرض حفظه الله ما قامت وتقوم عليه الدولة منذ أرسى دعائمها المؤسس رحمه الله، من التزام بوسطية الدين الإسلامي ونبذ الغلو والتطرف والتفريط، وأن الدولة ماضية في محاربة الإرهاب ودحر أغراضه وحماية المواطنين من جرائمه، فالدولة بقدراتها وقدراتها رجال أمنها المخلصين واعية ومتحفزة لقمع كل من تسول له نفس العبث بأمن البلاد، وهي ساعية من خلال (اتفاقية منظمة التعاون الإسلامي ) لمكافحة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره والقضاء على أهدافه ومسبباته والتزماً بحماية الأمة من شرور الجمعيات والتنظيمات الإرهابية المسلحة أياً كان مذهبها وتسميتها والتي تعيث في الأرض تقتيلا وفسادا، حيث تم تشكيل تحالف عسكري إسلامي لمحاربة الإرهاب بمبادرة وريادة المملكة، وأردف حفظه الله في معرض حديثه عن السياسة الخارجية للملكة وكونها تأخذ بنهج التعاون مع المجتمع الدولي لتحقيق السلام العالمي، مما جعلها تتجاوز كثيراً من المحن على مر أدوار الدولة وأن الغد أفصل ومشرق -بإذن الله - فقال حفظه الله « أقول ذلك وكلي ثقة بالله ثم بأبناء هذا الوطن، ولن نسمح لكائن من كان من التنظيمات الإرهابية أو من يقف وراءها أن يستغل أبناء شعبنا لتحقيق أهداف مشبوهة في بلادنا أو في العالمين العربي والإسلامي» تحدث حفظه عن الالتزام الذي لا ينفك أبداً في سعي المملكة لإيجاد حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية وفق مبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية وإقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف، ومواقف المملكة المطالب للمجتمع بإدانة ورفض الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الشعب الفلسطيني، ومع أن هذه القضية هي لب تحديات العرب إلا أن خادم الحرمين أعزه الله بين أن ما يحدث في اليمن من صراع، وتحدٍ للشرعية هو أمر يهم المملكة بدرجة عالية ويمثل تهديداً لأمنها حيث قال « لن نقبل بأي تدخل في شؤونه الداخلية أو ما يؤثر على الشرعية فيه، أو يجعله مقراً أو ممراً لأي دول أو جهات تستهدف أمن المملكة والمنطقة والنيل من استقرارها» هذه العبارات في حديثه حفظه الله دليل على التزام المملكة بأمن اليمن وكونه جزءاً من الأمن الوطني السعودي، ولذا ذكر حفظه الله في معرض حديثه عن جهود المملكة في مد يد العون والمساعدة الإنسانية للدول العربية والصديقة عند الحاجة وفي الأزمات، وأن المملكة بادرت ولا زالت تقدم المساعدات تباعاً للأشقاء في اليمن وكذلك الحملة السعودية لإغاثة النازحيالسوريين، لم يكن حفظه الله يريد الإطالة والإسهاب في ذكر جهود المملكة وكونها الملتجأ والداعم لرفع معاناة الأخوة المنكوبين بالحروب، فذلك في ذهنه واجب لا يجوز الحديث عنه كثير.
اختتم حفظه الله كلمته المؤثرة بأن خاطب أعضاء وعضوات مجلس الشورى في دورته السابعة قائلاً « إننا نقدر ما يقوم به مجلس الشورى من جهود متميزة في إطار مسؤولياته، فإننا نقدر كذلك مساهمته في بيان حقيقة مواقف المملكة تجاه مختلف القضايا من خلال الحوارات واللقاءات المتعددة مع البرلمانات الدولية المختلفة».
كواحدة من الأعضاء الجدد في مجلس الشورى أثارت كلمات خادم الحرمين الشريفين في نفسي مشاعر كثيرة من الغبطة والسرور واستشعار المسؤولية والعزم على الجهد بالذهن والبدن لتحقيق مقولته حفظه الله «وإنني أطالبكم جميعاً أن تضعوا مصالح الوطن والمواطنين نصب أعينكم دائماً» . حفظ الله لنا هذا القائد الفذ وجعلنا في محل الثقة التي منحنا إياها إنه كريم مجيب.
- بقلم/ د. فوزية أبا الخيل