د. خيرية السقاف
على الرغم من أنني لا أميل بكلية نحو إلغاء الكتب الورقية سواء في المدارس, أو غيرها, إلا أنني أتفق مع النقلة الحديثة للكتاب الرقمي مقارنة بعدد صفحات كتب المقررات الدراسية الورقية, ومستوى وزنها اليومي الذي يتكبد حمله الصغار, ويشق عليهم أمر التنقل بها, والصعود والنزول في حالة أن تكون فصولهم الدراسية في الأدوار العليا, ما جعل منها قضية صحية, تمتد آثارها لأبعاد مختلفة لا تخفى على الآباء, والمعلمين أنفسهم, وقد انبثقت منذ عشرات السنوات في مؤسسات التعليم الأمريكية, بل في اليابان أيضاً قضية «ثقل» حقيبة المدرسة, وآثارها الصحية في عظام الصغار, وما تلحقه بأعمدة ظهورهم الفقرية من انحناءات, وتقوُّسات, وهبوط في أكتافهم, ما يمتد إلى نفسياتهم وتأثرها في حالة أن لحق بهم مثل هذه الأضرار, وامتد من ثم هذا الاهتمام إلى تربويي العالم العربي, وظل الحديث متداولاً بشأن الحقائب المدرسية العبء الثقيل والحمل المؤذي في الوقت الذي تتبارى شركات التصنيع في تلوينها وزخرفتها, ودعمها بما يجذب إليها الكبير قبل الصغير, وتبارى الصغار في اقتناء أوسعها وأكبرها حجماً تحديداً بعد أن زيدت كتب مقررات اللغات الأجنبية في المدارس التي تتيحها برامجها, والتي يتسابق إليها السواد الأعظم فتضاعف وزن الحقيبة, وأنهكت كواهل الدارسين..
بدأت اليابان تقديم محتوى مقررات مدارسها باستخدام الحاسوب المدرسي, ما جعل الكتاب الرقمي يتصدر التعليم في مدارسها قبل أعوام قريبة, ثم أخذت العديد من مؤسسات التعليم العالمية تنهج المثل, وها هي «فنلندا» ستكون الأولى في تعميم التعليم بلا كتب ورقية, مثل هذه الانتقالة تتطلب تهيئة الفصول في المدارس بوسائل قراءة الكتاب الرقمي في أوعية سهلة الحمل, والتخزين.. بمعنى أن يأتي الدارس متحللاً من الأثقال, يدس في جيبه وعاءً صغيراً, بداخله محتوى كل مقرر, وواجباته, وحلولها, ونشاطها المصاحب وتقويمها, مثل هذه التهيئة إن تحققت فإنّ أول من عمل بها مؤخراً «فنلندا», وهي تعلن أنها بلغت تحقيق أن تعلم بلا كتب ورقية في مدارسها قبل أيام قليلة..
ونحن هنا, بين ظهرانينا نسمع بأنّ وزارة التعليم تسعى لاستبدال الكتاب الورقي بآخر رقمي, ما يعني أنها ستخصص الجهد, والمال, لتهيئ الفصول لهذه النقلة, ولعل أول مبادرة أن وجهت سؤالها للجمهور ليشارك في طرح حلول في شأن التخلص من ثقل الحقيبة المدرسية..
بالطبع لن يقال: قلِّصوا المحتوى المعرفي, ولن يقال: من التدريبات, والتطبيقات, وإنما سيقال: واكبوا قفزة العصر بتقديم المحتوى الأوسع, في الوعاء الأخف, الأرحب الأسرع..!
دون أن يكون هذا على حساب القيمة النوعية لما يتاح من التعليم، وخبراته, و بحيث يواكب أيضاً الدارس واقع التعليم في المدارس النظيرة في العالم, فقد واكب كل أمر, لحق بغبار كل ريح, ووقف على موجة كل بحر, أفلا يبحر أيضاً في سفن تعليم تمضي به في ثقة ليصبح العنصر البشري الموائم لعصره, والمتكيف مع منجزاته في عافية عقلية, ووجدانية, وأيضاً صحية؟!..