د. خيرية السقاف
الطريق إلى المطار يشبه موجة تحملك في جزرها لداخل البحر, وأنت تعلم أنّ الماء يحملك في فلكه لشاطئ,
أو يأخذك بكلك لعمقه, لكنك مذ تسلِّم نفسك لمدِّه فلا حيلة لك إن تصرَّف بك كما يتجه ماؤه,
أو كما تكون عليه حالة مزاجه, بمشيئة من وراء غيبك..
الطريق إلى المطار يستحضر لك مقعد الطائرة ..
إشارات المضيف نحو المخارج..
رهبة سقوط أجهزة الأكسجين ..
مخيلة النزول المفاجئ بلا بقاياك ..
الفناء الكلي, أو البقاء المتعثر, أو النجاة دون حاجة لجناح يطير بك,
أو ثرى تصمد فوقه قدماك..
أيضاً, الطريق ذاته يستحضر لك رائحة القهوة تعج بمذاقاتها, وأبخرتها, واستلهاماتها..
يوقظ ذاكرتك للانتشاء بشذى العطور تفوح في أرجاء العلبة المعدنية المستطيلة التي تـقلك حيث مرماك..!
التي تكشف أسرار الأذواق, وتباين المدهشات, وكنايات الروائح المنتقاة, أو تعيد إليك فجاءة اللقاءات بلا مواعيد, تلتقي من غاب, تتعرف من استجد, تجهل من مرَّ لم يلقِ تحيته, أو من تكلم فسمعت ما قال دون تقصد, أو من بكى وما كشفتَ عن كنه سره,
أو ضحك وما شاركت فرحة سعادته !!..
الطريق إلى المطار يأخذك عنوة نحو وحشة فجيعةٍ ذهبتَ راكضاً تنغمس في صهدها, وعدت كسيراً مثقلاً بفقدها, أو حسرتها..!
كذلك يأخذك بحنو على قطيفة أجنحة فراشات تلتقي بهجة, وتنغمس في عرس, أو تتقافز بنجاح, أو يأخذك ليعيد إليك شريط رحلةٍ جاهدت فيها فكسبت, أو أفنيت فيها فخسرت..!
هذا الطريق وإن تزيّنت في نهاياته المطارات, أو تحضّرت في بداياته المدن, هو القاسم المشترك بينك في متعة الوقت, أو في رهق المعاش في اليومي,
وبينك وأنت في حالة من حالات الوصول إليه, والمغادرة منه..
الطريق إلى المطار يشبه الحياة, بتسارع العربات فيه, وازدحام الخفقات,
بالدموع المهدرة في مراكبه, أو اللهفة المنتشية فيها..!
يشبه لحظات الانتظار داخلها حين دواليب العربات تتبادل الاتجاه منه وإليه,
تذهب عنه, وتؤوب منه في لحظات ينتهي إليها وأنت إلى عناق اللقاء بفرح,
أو في عناق الوداع بألم ,
تماماً, تماماً كأنما هو طريقٌ آخر لغرفة الولاَّدات,
أو لمقبرة الموتى..!!