عبده الأسمري
أستغرب كثيراً كيف نحل أزمة أو ظاهرة دون أن يكون لدينا دراسات على أصول مهنية تستدعي العمل الفعلي بناء على نتائجها، ولو تطرقنا لقضية الفقر لدينا فلا توجد أرقام، وهنالك عشوائية في تصنيف الاحتياج بين الفقراء والمساكين والمحتاجين. ولأننا تعودنا على وجود اللجان التي تناقش الظواهر من وراء الطاولات الفاخرة وخلف المباني الزجاجية فإننا دائما ما نعود للمربع الأول في نقاش أي ظاهرة.
وبالنظر للفقر فإن من أنكر وجوده فقد جانب الصواب.. لدينا مستويات للفقر ومعدلات لتجاوزه وأيضا منحنيات ترفع أعداده ومسارات تؤجل حلوله.
الفقر لدينا يتوارى خلف إنجازات الجمعيات الخيرية ويختبئ وراء صناديق مؤونة توزع داخل المدن وقد ينالها الميسر ويحرم منها المعسر، ليس لدينا دراسات وصندوق مكافحة الفقر يسير على صدق الماضي مكذبا الحاضر هاربا من المستقبل.
سؤالي: هل شاهدنا مؤتمرا أو مناسبة أو حتى لجاناً حقيقية تدرس موضوع الفقر؟. ما أسباب هذا الهروب وما خلفيات هذا التقاعس.. إن أردنا الحقيقة من عمقها لا بد أن يكون الميدان هو الفيصل والحالات هي الشاهدة.. أوقف الإعلام الاجتماعي ما كان يطرح في الصحف الورقية من قصص الفقر وباتت وسائل التواصل الاجتماعي «وسيلة النصاب والمحتال أكبر من طلب البائس والفقير».
وباتت الجمعيات الخيرية تنتظر الفقراء أن يزورها ليغرقوهم بالطلبات والإثباتات ويحبطوهم بمفردات «النظام» وظل الأثرياء يجوبون البحار في يخوتهم وإن رجعوا للوطن تجدهم في الصفوف الأولى من المناصبات وفي أعلى المنصات وان سئلوا أو طلبوا عونا للفقراء تهربوا، وان دققنا في زكوات أموال بعضهم لرأيناها تنطلق إلى أقاصي الأرض بينما الأقربون أولى بالمعروف. الفقر ليس عيباً ووجهاً حاضراً في كل العصور، مهما حل الثراء وسيطر الغنى يظل وجوده من حكمة الله وامتحانا حقيقياً والحالات الفردية كثيرة والمطالب تتعدد والحلول تتمحور في الضمان الاجتماعي وهبات على استحياء ولكن هنالك فقر يجاوره المرض ومرض تسايره حاجة.. سؤالي: لماذا لا يكون هنالك حصر ودراسات ميدانية لقضية الفقر بعيدا عن الاجتهادات، فمثل ما رفعت الأقلام وجفت الصحف من أرقام الطلاق المخيفة وإحصائيات الانجازات الخيالية لبعض الوزارات فالأجدى بالدراسات والإحصائيات هي الظواهر ولعل أهمها «الفقر» لأنه ورم قد تنتج عنه كل السلبيات المجتمعية، ولعل من أبرزها السرقة والجرائم الجنائية وتفشي الأمراض النفسية والانتحار والإحباط وغيرها من أكثر البلدان التي تمتلئ برجال الأعمال والموسرين، فأين مشاركاتهم في المسؤولية الاجتماعية وفي المسؤولية الوطنية، ولماذا لا نرى منهم مساعدات للجمعيات التي تئن منذ زمن بمبررات (النواحي المادية) ولماذا لا تكون هنالك مبادرات مجتمعية لفتح مدارس خاصة للتعليم وأربطة خيرية ومراكز صحية موسمية وتوزيع مساعدات عينية لمواقع في البلاد على الأطراف لا تزال تحتضن «الجزء الأكبر من خارطة الفقر» وفي المدن الرئيسية تعرف الأحياء الشعبية والفقيرة بأن فيها العشرات ممن ينتظرون صدقة «السر» بعيدا عن الفلاشات.
أتمنى أن تعاد هيكلة عمل الضمان الاجتماعي وأن يعيد «صندوق مكافحة الفقر» عمله بما يتواءم مع المرحلة، وان يكون متواجدا في الميدان عبر الفرق التي ترصد الفقر من بؤرته وأن تتشكل في المجتمع مبادرات جديدة واتفاقيات بين المؤسسات الخيرية ووزارة العمل والتنمية الاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني والجامعات ومراكز البحوث ورجال الأعمال حتى تعقد مؤتمرات متخصصة لدراسة الفقر ووضعه في قالب إحصائي دقيق، وان نغير «واجهة النكران» التي ظلت عنوانا بائسا لمواجهة هذا الملف حتى يكون «عنوانا معترف به» والعمل باحترافية لمواجهة تزايد أرقامه والعمل على وضع حلول مجتمعية وتشارك وطني حقيقي بين المعنيين كلا فيما يخصه وسنرى النتائج مبهرة شريطة الاعتراف بالظاهرة والعمل بجد واجتهاد لمواجهتها بالدين والعقل والمنطق.