يوسف المحيميد
فكرت لوهلة باللغة العربية، وكيف نحتفل بيومها، ونقدّم المقترح تلو الآخر لدعمها، خاصة مع شعورنا بأنها شاخت كثيرا، وتجمدت منذ مئات السنين، مقابل تجدد اللغات الأخرى، فلا يدخل في قاموسها إلا القليل رغم تطور العالم التقني والرقمي، وانتشار الكثير من المفردات الأجنبية، التي نكابر طويلا في القبول بها، ونبحث طويلا كي نعربها، ونصنع كلمة من معنى الكلمة الأجنبية، ننحت كلمة موازية، لنحافظ بذلك على لغة الضاد من العجمة، لكن أبناؤنا يسبقوننا في التقاط هذه المفردات الأجنبية واستخدامها، بل حتى لو وضعنا لها مفردات موازية، وأحيانا مفردات مركبة، سرعان ما تذهب في سديم اللغة المتحفية، ولا يستخدمها أحد، فمن يستخدم اليوم كلمة «حاسوب» بدلا من «كمبيوتر»، ومن يستخدم كلمة «بريد إلكتروني» بدلا من «أيميل»؟
وفي المقابل، مقابل ضعف اللغة على المستوى العلمي والتقني، وعدم قدرتها مسايرة اللغات الأكثر سطوة ومكانة، تلك اللغات التي لم تحتج إلى أيام مخصصة للاحتفال بها، نجد أن لغتنا العربية لم تزل سيدة الموقف في البكاء والندب واللطم والاحتجاج على ما يحدث من مجازر وحشية في أراضيها، فنحن قادرون على صياغة المآتم والبكائيات، وأحيانا البطولات الوهمية، شعرًا ونثرًا، حول ما يجري في حلب، لكننا عاجزون عن ابتكار كلمة جديدة، يتداولها العالم ويطوّع قواميسه لها، ما عدا كلمات من قبيل: القاعدة، الجهاد، الحجاب... وما إلى ذلك.
أحيانا أفكر لو كانت ثقافتنا أكثر حضورا في العالم، وتفوقنا الصناعي لا يختلف عليه أحد، وسيادتنا في مجال براءات الاختراع والاكتشافات الجديدة أكثر من غيرنا، هل سنحتاج إلى الخوف والقلق على لغتنا؟ هل سنتعامل معها بوصفها طفلا يحتاج إلى العناية والرعاية، وتخصيص يوم لها كي نتذكرها؟ أعتقد أننا لسنا بحاجة إلى جذب العالم إلى لغتنا بقدر حاجتنا الحقيقية إلى إعادتها إلى بيوتنا، فقد هربت من معظم منازلنا من النوافذ، ويجب أن نفتح لها الباب كي تعود، فكم من الأمهات الشابات تحرص على تعليم أطفالها العربية السليمة، مقابل الاهتمام الكبير بالإنجليزية؟ كم من الأمهات تأمر طفلها: «البس حذاءك» بدلا من «البس شوزك»، لأن استخدام الإنجليزية بين الأم وطفلها يعني أنها من طبقة عليا، ما تسميه «هاي كلاس»، فمن يقول «نعال» أو «نعل» - أعزكم الله - هو إما من طبقة دنيا، أو من جيل الطيبين، كما يردد البعض!