«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
في الماضي، وجميعنا يذكر الماضي، خصوصا أمثالنا الذين بدأ الشيب يلون شعرهم بالبياض. وفي مناسبة اجتماعية التقيت أحد المعارف القدامى وراح يتحدث بشوق عن حكايات مازالت راسخة في ذاكرته حتى اليوم رغم تجاوزه عقده السابع ما شاء الله قال:.؟! تذكر آخر مرة التقينا فيها في مجلس والدك رحمه الله حول (الوجاق، أو الوجار) الذي كان يشع دفئا في المجلس وأباريق ودلال الشاي والقهوة والجنزبيل والحليب. كنا لحظتها في حيرة ماذا نحتسي في تلك الليلة الباردة خارج المجلس والدافئة داخله. كان حديثه ممتعا وأعاد أمامي شريطا لا أروع لسنوات مضت..؟! وعند عودتي بدأت أكتب هذه «الإطلالة» عن (الوجاق وبعضهم يطلق عليه الوجار أو الموقد) وكان يعتبر أهم جزء في المجلس في مختلف قصور وبيوت ومنازل الأثرياء والعامة، وحتى أهلنا في البر فهو موجود داخل خيامهم ولكنه بصورة مختلفة.. وعادة ما يتصدر المجلس، وهناك من يبنيه في زاوية المجلس مع ترك مكان لصاحب البيت أو لأحد أولاده أو حتى صبيانه ليقوم بخدمة الضيوف ومرتاديه.. فهو الذي يقوم عادة بإعداد المشروبات الساخنة والمعتاد شربها في فصل الشتاء.. وعادة ما تستعد البيوت في الماضي وحتى الحاضر الذين مازالوا يعشقون عاداتهم القديمة فبنوا مجالس خاصة نفذوا فيها (الوجاق) وكان في الأحساء بناؤون مهرة يتفننون في بناء وزخرفة ونقش (الوجاق) فهو مفخرة لصاحب البيت، بل كان صورة لافتة ومعبرة عن حجم غناه وخيره.
يؤكد ذلك العدد الكبير من أواني القهوة ومستلزماتها بدءا بالدلال والأباريق والفناجيل والبيالات... إضافة إلى مخزن جانبي توضع فيه أخشاب الغضا التي تستخدم في (الوجاق). وبالمناسبة كان الناس وقبل موعد فصل الشتاء بأيام يستعدون لشراء كميات من خشب الغضا استعدادا للشتاء. وكانت في مدن الأحساء أسواق خاصة بيع أخشاب الغضا التي يتم عرضها بصورة واضحة وعلى شكل أكوام. وكان سور الهفوف القديم أحد أشهر الأماكن لبيع الغضا كذلك في سوق البدو في الهفوف والمبرز.
واليوم تجد أخشاب التدفئة موجودة وجاهزة وحتى مكيسة في الأسواق المركزية ومحطاب الوقود في الخطوط الخارجية، بل وباتت تشاهد على جوانب الطرق من خلال الباعة المتنقلين بسياراتهم.. وعادة ما تقوم النساء بتقطيع أخشاب الغضا وتصغيرها بالحجم المناسب للوجاق. وتنتشر في الانترنت مواقع متخصصة في بيع أخشاب التدفئة والتي تعرض إنتاجها ومستعدة لتوصيلها لمن يطلبها.. وفي بعض بيوت الميسورين تجد (الوجاق) موجوداً أيضا في رواق البيت حيث يطيب لأفراد الأسرة التحلق بجانبه، وكانت التدفئة من خلال الوجاق قبل وصول (الدفايات) التي في البداية كان يستعمل لإشعالها الكيروسين. وبعد ذلك جاءت الدفايات الكهربائية المتطورة والمختلفة الأشكال والأنواع.. وكان (الوجاق) عادة يبنى من الطين الممزوج بالتبن ويغطى بطبقة من الجص الأبيض.
ومع الأيام والحرارة تشتد قساوته كلما اشتعلت النار فيه.. وكان (الوجاق) يستعمل أحيانا في عمل بعض المأكولات البسيطة. وشوي قطع الكبده أو الكلاوي. أو حتى بعض اللحوم المبهرة. ومع وصول البطاطا والكستناء. إلى أسواق المملكة قبل عقود قريبة وهناك من يقوم بشيها في الوجاق..؟! واليوم بات الوجاق يباع جاهزا كقطعة من الأثاث قابلة للنقل والتحريك، فهناك مؤسسات ديكور تقوم بصناعته لكنه ليس مثل الوجاق التقليدي الذي عرفناه. أنه وجاق عصري. بل هناك نوعيات مختلفة من الوجاق تصنع من الصاج. ومواد معدنية أخرى.