«الجزيرة» - أبوظبي:
طرحت رابطة العالم الإسلامي، خارطة طريق للعالم الإسلامي للخروج من أزمته التي عصفت بكثير من الدول، وأدخلتها في دوامة الحروب والكوارث وسالت على إثرها دماء الأبرياء، وشوهت خلالها سمعة الدين الإسلامي الحنيف، وذلك بالتمسك بخيار الدولة الوطنية الذي يعزز الفقه السياسي الإسلامي وجودها، المدون تحت عنوان: «الأحكام السلطانية»، فضلاً عن كون هذا الخيار هو الصيغة الواقعية، الذي تحكمه العهود والصكوك، والهيئات والمنظمات الدولية، وتحتّم على الجميع التعاطي معها في عالم اليوم.
وحذرت الرابطة في كلمة ألقاها أمينها العام الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، خلال الملتقى الثالث لمنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة المنعقد في أبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة بحضور حشد كبير من كبار الشخصيات الإسلامية والفكرية والسياسية على مستوى العالم، تحت عنوان «الدولة الوطنية في المجتمعات المسلمة» خلال اليومين الماضيين من مخاطر التوظيف السلبي، للمحاولات اليائسة لخطف القيم الإسلامية، وتشويه صورتها بالكذب الفج، أو التأويل الخاطئ، أو المغالط، التي نتج عنها تطرف هوى في مكان سحيق، فأشعل بشؤمه العالم بأسره، مجيّراً بزوره، كلّ أعماله، باسم الإسلام، ودين الله بريء من ضلال منهجه، ومجازفات شطحاته وإرهابه.
وشدد معالي أمين عام رابطة العالم الإسلامي على خطورة الفكر الذي يعد الناس ببدائل مثلى عن الدولة الوطنية التي نعيش فيها، ولا يرى سبيلاً إلى الإصلاح إلا في مناكفتها وزعزعة أنظمتها.
وقال الشيخ العيسى: «لقد شهد العالم، في سنوات قريبة خلت، أحداثاً مؤسفة، وتغيّرات متوقعة، أفرزت مشاهد جديدة، في المواقف، والعلاقات الدولية والإنسانية، لم تتجاوز في كثير منها، ما لا ملامة فيه على كل من أخذ بالتدابير اللازمة المشروعة، لتحقيق مصالحه، ودرء المفاسد، والشرور عنه».
مبيناً أن «السنوات الخمس الفائتة، كانت ذروة واقعاتها - عربياً وإسلامياً - مشحونة بأحداث دخلت التاريخ الإنساني من أحلك أبوابه، تضاعفت فيها وتيرة المعاناة، والتراجع، جراء التقلبات المفاجئة، التي طرأت على بعض الدول العربية، وأحدثت حالة عامة، من الفتن والتنافر، والصراع الفكريّ والدموي الخطير، كان سقوط حلب، وما صاحبه، من دمار، ومجازر وانتهاكات إنسانية خطيرة، أحدث عهد بمشاهده الفظيعة.
ولفت معالي أمين عام رابطة العالم الإسلامي إلى أن «هذا الجمع الميمون، في رحاب هذا المنتدى الحافل، يحسب باعتزاز، في المبادرات الرائدة، للعلاج والأخذ باليد، ولعل ما يقدمه من أطروحات، على خط التقريب والإصلاح، وترشيد بعض الرؤى، وتصحيح الصورة الذهنية، عن مفاهيمنا الإسلامية، يمثل رسالة، تحتاج إليها الأمة قاطبة، في وقتها الراهن».
وقال الشيخ الدكتور محمد العيسى: «نحن في رابطة العالم الإسلامي، نؤيد، وندعم، هذه الهمة العالية، كما أننا - والمؤمن كيّس فطن - نستطلع مخاطر التوظيف السلبيّ، في مدّه السيئ، للمحاولات اليائسة لخطف قيمنا الإسلامية، وتشويه صورتها بالكذب الفج، أو التأويل الخاطئ، أو المغالط، إذ نتج عنه تطرف هوى في مكان سحيق، فأشعل بشؤمه العالم بأسره، مجيّراً بزوره، كلّ أعماله، باسم الإسلام، ودين الله بريء من ضلال منهجه، ومجازفات شطحاته وإرهابه».
وبين أن المنتدى، رسم ضمن الأهداف التي يعمل لها، أن يسهم، في الجهود التي تبذل في المجتمعات المسلمة، لإخراجها من هذا النفق المظلم، بتيه الصراعات الدموية، والاقتتال العبثي، وتنازع البقاء المجرد عن قيمه، المفضي إلى فنائه. وفتح فضاءً فسيحاً، للعلماء، والمفكرين، والباحثين، يتيح لهم الإسهام، برصيدهم المستنير، في إعادة الاعتبار، إلى المنهج الصحيح، وذلك باستيعاب المفاهيم الشرعية، لتبقى على ما أراد الله لها، مفاهيم رحمة، وحكمة، وعدل، ومصلحة، ولتسهم في تثبيت السلم الأهلي والدولي، وتحفظ للمجتمعات أمنها واستقرارها.
وأكد على أن الورقة التصورية للملتقى الثالث، أوضحت فكرة الموضوع، الذي تم اختياره للدراسة والبحث والمناقشة، عبر محاور هذا الملتقى، بتفاصيل ضافية وافية، تميزت بالمتانة والدقة، والشفافية، في النقد بموضوعية تامة، مع بعد النظر في الأسئلة التي استجليت للمناقشة، والعرض على بساط البحث، حول «الدولة الوطنية»، التي هي الصيغة الواقعية، للكيانات السياسية، التي تشكلت في العالم الإسلامي، بعد تفكك ما سمّي سلفاً بدولة الخلافة، وانكشاف الاستعمار الأجنبي، توافقاً مع الوضع الدولي الجديد، الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية، وأدخل العلاقات الدولية في طور آخر، تحكمه العهود والصكوك، والهيئات والمنظمات الدولية، التي تحتّم على الجميع التعاطي معها.
وشدد على أن «عالمنا الإسلامي، جزء من العالم الإنساني، يتأثر بمؤثراته، ويتفاعل مع أحداثه وتطوراته، ولا يمكن أن يعيش بمعزل، عن السياق العام للحركة الإنسانية، ولا سيما أن كثيراً من مقاليد العلوم، تحولت منه في سني غفوته إلى غيره».
لافتًا إلى أن المكابرة، في حتمية، تقبّل الواقع الذي يعيشه العالم بأسره، هو في توصيفه الحصري والدقيق، هروب إلى واقع آخر، مموّه بنسج من الخيال والأوهام، دخل في مواجهة ساذجة، مع السنن الكونية، بمخادعة للنفس والخلق، دفعت لسراب وعودها الكاذبة، الدماء البريئة، وسمعة الإسلام، كتلك الأماني، التي كانت الحركات الباطنية تخدع بها أتباعها، لتأليبهم على الحكومات التي كانت قائمة في المجتمعات المسلمة وأن نظريات التطرف عن الدولة الوطنية تشكّلت نتيجة انحباس شكلي في صورتها الطوباوية.. وأنه فيما ينشد التشدد الكمالية يطلب الاعتدال الواقعية.
وقال الأمين العام: إنه «على نسق مشابه، يتكون الفكر الذي يعد الناس ببدائل مثلى يسعى إليها، عن الدولة الوطنية التي نعيش فيها، ولا يرى سبيلاً إلى الإصلاح إلا في مناكفتها وزعزعة أنظمتها». وأنه «وقد تشكّل هذا الفوات الفكري، نتيجة قراءات مبتسرة، غاب عنها (في غمرة تطفلها على هذه المعاقد الكبرى، وعدم كفايتها للأخذ بزمام شأنها) غاب عنها مفهوم الدولة، ووظيفتها، في فقهنا السياسي الإسلامي، المدون تحت عنوان: «الأحكام السلطانية»، كما أن ذلكم الابتسار والتطفل، عاش - في تنظيره السطحي - حالة انحباس، في الصور التاريخية، لنموذج الدولة، دون مراعاة التغيّرات السياسية، والصيرورة الاجتماعية والإنسانية، وهو شاهد جهل تامّ، بمقاصد الشريعة، في فقه أولوياتها وموازناتها، وتغير الأحكام بتغيّر الأحوال، في ضوابط شرعية لا تخفى.
فيما أوضح الأمين العام أن المملكة العربية السعودية أنشأت في وزارة دفاعها مركزاً عالمياً للحرب الفكرية يعنى بمواجهة الرسائل الإرهابية وتفكيكها وترسيخ المفاهيم الصحيحة للإسلام.
وأضاف مختتماً أنه: «من المأمول أن الأجوبة المنتظرة، من مخرجات هذا المنتدى، لعدد شائك من الأسئلة الحائرة عند البعض، كفيل بإحداث تصحيحات مهمة، للأخطاء الواقعة في بعض القناعات والآراء والمواقف، لمن كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد».