د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** في الصف الأول المتوسط بمعهد عنيزة العلمي درَّسنا مادة القواعد معلم حلبيٌ من أسرة الفحَّام المعروفة، وكان حازمًا وجادًا ووعينا أساسات النحو الوظيفي منه بمساندة المقرر المليء حينها وهو كتاب: «النحو الواضح» للأستاذين علي الجارم ومصطفى أمين، والظنُّ الذي تحمله ذاكرةٌ مرهقة أنه لم يُطل مكثًا فانتقل إلى أحد معاهد منطقة القصيم ثم عاد الأستاذ محمد إلى وطنه.
** وكان مقررًا علينا ما أسمته رياسة المعاهد والكليات: «تقويم البلدان» دفعًا لتوظيف مصطلح «الجغرافيا» المصادَر حينها لحساباتٍ عتيقة، وكان معلمنا فيه: عبدالغني بكري بطش من حلب نفسها، ورافقنا حتى الصف الثاني الثانوي، وفي الصف الثالث الثانوي درَّسنا الجغرافيا - بعدما تعدل اسمُها - معلم آخر.
** يبقى معلمو التعليم العام أقرب إلينا من أساتذتنا في التعليم العالي، وما نزال مدينين لأولئك فوق هؤلاء؛ فمن بذر أعلى شأنًا ممن حصد، وتمنى صاحبكم لو زار حلب - ضمن زياراته المتكررة لسوريا المثخنة اليوم بالجراح كي يسأل عن معلِّمَيه «الفحام وبطش» لكنه لم يتمكّن، وبحث عبر الوسائط التقنية فلم يلمح مداخل إليهما، وزار الصديق الدكتور عبدالرحمن السماعيل حلب ضمن وفدٍ جامعي عام 1997م ووجدهما بمساعدة الدكتور بكري شيخ أمين ؛فزاراه في الفندق ولم يكن موجودًا ثم عاد الأستا ذ عبدالغني فقابله واعتذر الفحام لتوعكه وعلم أن «بطش» يمتلك محلًا لبيع العدد والأدوات، واستعاد لنا ذاكرةً وفائيةً نادرةً.
** لا نعلم ما صنع الله بهما؛ فندعو لهما بالرحمة حيَّين وميتين، ونذكر كيف كانت حلب وكيف صارت بعدما غزتها عصابات الموت الطائفي الحاقدة، وما نزال نثق أن التاريخ لم يكتمل بعد، وأن الدم الذي أُريق سيكون ساقيةَ النصر بعون الله.
** لن يمضي هذا الإمضاء بعيدًا؛ فلا معلومات تُسعفه بالأكثر، ولعل أحدًا يعرفهما يبلغنا عنهما، وتبقى حلب رمزًا للصمود الفخم امام الكسرويين والقيصريين وأذنابهم؛ لنردد:
لا تغضبوا .. لن يشفي الغضبُ
أو تخطُبوا ... يا بؤس من خطبوا
فالليل لا يجلوه مرتجزٌ
والجرح لا يأسوه مغتصِبُ
والغازيان وخلفهم خدمٌ
تبت يداهم .. تب ما اكتسبوا
مات الضمير فلا نناشده
وهوى البيان وجفت الكتبُ
ودماء أحرار الشآم لُغىً
تَروي وتُروي .. والثرى لهبُ
امضوا بسيف الله لن تهنوا
صوت الكرامة ؛ فجره حلبُ
**الرمز البطولي عز.