د. عبد الله المعيلي
نموذج متصور لما ينبغي أن يمون عليه الشيء، تصوغه الجهات الحكومية أو التجارية، وفق المهمات التي يتطلع إلى ممارستها بشكل مهني، ويعد المعيار مرجعًا رئيسًا في عمليات الترشيح والاختيار، سواء في مجال الكفايات البشرية أو مجالات التجارة والصناعة والإنتاج والشراء.
لا ريب أن معايير ترشيح الكفايات البشرية واختيارهم للعمل في مجال من مجالات العمل الحكومي بصفة عامة تعد عملية في غاية الأهمية، وتتطلب دقة في تحديدها وتحديد مؤشراتها، فبناء على هذا، يعد المعيار بمنزلة المرجع الذي يستعان به في عمليات الترشيح، نظرًا لما يشتمل عليه من سمات وكفايات مختلفة متنوعة، يسترشد بها وتؤخذ في الحسبان عند دراسة السير الذاتية لمن يرى إمكان اختياره لمنصب ما سواء أكان قياديًا أم عضوًا في فريق له مهمات محددة، وتنقسم الكفايات في مجالين: كفايات فطرية، وكفايات مكتسبة.
في الكفايات الفطرية سمات عامة أساسية، تبدأ مع الشخص من سنوات عمره المبكرة، وتنمو بالتنشئة والتربية، بحيث يكون لدى الشخص استعدادات فطرية يولد وهو يمتلك مكوناتها وتبقى البيئة الاجتماعية ومؤسسات التربية والتعليم هي التي ترعى تلك الاستعدادات وتنميها وتعززها، وفق متطلبات كل استعداد.
هذه السمات يجب أن تتوافر في كل شخص يرشح إلى عمل ما بغض النظر عن طبيعة العمل ومجاله، وفي الوقت نفسه هناك سمات خاصة مرتبطة بمهمات إنجاز العمل وطبيعته بأعلى ما يمكن من كفاءة الأداء وتجويده، وهي تختلف عن بعض في كمها أو نوعها، فالكفايات والسمات التي يجب أن تتوافر في القائد الأول للجهاز تختلف عن غيره، ولمدير الموارد البشرية كفاياته وسماته، والحال نفسها تنطبق على المدير المالي ورئيس الحسابات والمحاسب، ومدير الإدارة ورئيس القسم، ومدير تقنية المعلومات عن مدير صيانة الأجهزة الحاسوبية، وهكذا لكل مجال عمل سماته الخاصة إضافة إلى السمات العامة التي يتصف بها كل من يكلف بعمل ما، ولهذا يتعذر إيراد السمات في مقال، هذه مسؤولية الجهة التي سوف تختار القيادات فهي الأعلم بتلك السمات وذلك وفقًا لطبيعة العمل القيادي الذي ترغب في شغله، وهكذا تعد الجهة أو الجهاز التنفيذي هو الذي يحدد تلك الكفايات والسمات.
هذا منهج المؤسسات التي تنشد إنجاز أعمالها بأقصى درجات الكمال والكفاية والنجاح، وهذا المنهج يعد من السياسات والمسلمات والثوابت التي تأتي في مقدمة سلم الأولويات.
أما السمات المكتسبة، فمنها سمات تستمد من الخبرة في مجال العمل الذي يراد شغله، ومنها ما يتعلمه المكلف بالتدريب في الدورات المتخصصة، وهي عديدة متنوعة يتعذر الإحاطة بها كاملة، لكن هناك سمات رئيسة لا بد من توفرها في كل شخص يختار لمهمة معينة، منها سلامة اللغة وفصاحة اللسان، حيث يعدان الوجه الحقيقي الذي ينبئ عن معدن المرء، فغالبًا ما ينظر لمن لا يستطيع أن يعبر بلغة سليمة فصيحة مع الفريق الذي يعمل معه أو في اللقاءات والمؤتمرات نظرة دونية، بل يعرض نفسه للسخرية والاستهزاء، كذلك الإحاطة التامة بمجالات عمله ومهماته وأدواره، إدارة العمل بروح الفريق الواحد، وألا يستأثر بالرأي، وإشعار من يعمل معه بمشاعر الحب والتقدير، وأن يتعامل مع كل موظف بمقدار ما يتقنه من كفاءة الإنجاز مهما كانت درجة الكفاية والقدرة.
إن مما يلحظ وبصفة متواترة أن معايير الاختيار ومؤشراته مغيبة تمامًا في جل الترشيحات التي يختار بموجبها قادة الصف الأول في الإدارة، وهذا مما أفقد الأجهزة الحكومية خاصة البطء في الإنجاز، بل التقصير الذي أوجد فجوة بين الواقع والطموحات.