ناصر الصِرامي
لا يوجد سبب عاجل يجعل الموظف العادي يهتم بأمر الميزانية أو حجم الإنفاق الحكومي في بلده، فالراتب لن يتغير فجأة، ونظام الخدمة المدنية لن يتغير ليعوض أو يقفز به مراتب غير عادية في السلم الوظيفي.
وسواء كان الدَين العام منخفضاً أو عالياً، وسواء كان العجز هائلاً أو مقبولاًَ، ومهما كانت الأرقام، فلن يحدث تغير جذري في تكلفة المعيشة اليومية على المدى القصير على الأقل.
كما أن تلك الأرقام المليونية والمليارية تعنى بعمليات تشغيلية للجهاز التنفيذي للدولة بما فيها تكلفة الرواتب، وما تبقى من البدلات. وحتى الوعود الانفاقية مقابل توقعات الدخل المرتقبة لخزينة الدولة ليست إلا مجرد أرقام خاصة بالمعادلات الاقتصادية، والمشاريع الكبرى المعلنة أو المؤجلة.
إذاً ... لماذا هذا الاهتمام الخاص بالميزانية الحكومية؟!، لماذا الآن تحديداً ومع إعلان ميزانية 2017؟، هل لأننا دولة ريعية، ولأن الاقتصاد في ثقله ما زال يدار من قبل الدولة؟، أم هو الحجم النوعي والاقتصادي والسياسي للمملكة العربية السعودية؟!. أم هي الظروف والسياسية المحيطة والإقليمية، والتقلبات الاقتصادية العالمية؟!.
الحقيقية أن كل ما سبق له علاقة بالترقب وبالاهتمام الإعلامي والشعبي حتى خارج أسوار الوطن، لكن ذلك كله ليس بالأمر الجديد على الإطلاق، وهو أمر عاشته البلاد في مراحل مختلفة.
لكن يبدو أن هناك جانباً بالغ الأهمية، جانب يتعلق بالرؤية السعودية التي أُطلقت حتى 2030، إضافة إلى برنامج التحول الوطني 2020 . أول برنامج عمل اقتصادي يقدم بطموح ورؤية مستقبلية.
بالمناسبة حساب الرؤية الرسمي على توتير عاد للتغريد بقوة بعد نحو ثلاثة أشهر من الصمت، (كانت آخر تغريدة له في 24-9-2016). إلا أنه عاد تزامناً مع إعلان الميزانية!.
عموماً، نحن الآن أمام أول ميزانية تمثل توجهات ومعطيات الرؤية، أول ميزانية بعد اطلاقها، وبالتالي فإنها ستشكل الاختبار الحقيقي لأهدافها وأدواتها وحتى فلسفتها المأمولة والمعلنة. وتختبر جدية الالتزام بخطوطها العريضة قبل تفاصيلها..
وزير المالية السعودي في أول ظهور له بعد إعلان الميزانية قال: «أعدكم في نهاية 2017 أن أحاسب نفسي وزملائي فيما حققناه»، وعد مطلق بالشفافية، ولا يخلو من توقع وتقبل النقد الموضوعي.
ثم الأهم رسالته للسوق والقطاع الخاص بأن «الحكومة ستلتزم بورقة أننا سنسدد المستحقات خلال 60 يوماً». وأضاف: «معالي وزير المالية: الحكومة ستوجه كل طاقتها للتأكد من أن القطاع الخاص يتسع وينمو».
وهذه التصريحات متى ما ربطناها بالرؤية وبعض الجدل الذي أثاره رجال الأعمال حول غياب دور القطاع الخاص، فيما مجلس الغرف السعودية يقول إن لديه صياغة لرؤية ومبادرات القطاع الخاص السعودي للمشاركة في تحقيق رؤية السعودية 2030، وردم الفجوة بين القطاعين الحكومي والخاص وإعادة التوزان لدور القطاع الخاص لتحقيق الدينامكية والشراكة المطلوبة بعيداً عن رعاية الدولة، وبالقرب من أهدافها الإصلاحية.
أهمية ميزانية 2017 تتمثل بشكل خاص بمدى ارتباطها بالأهداف والعناوين الرئيسة لرؤيتنا السعودية.. والتي لا تزال في أول خطواتها الأولى المهمة.. محاطة بكل أمنيات المستقبل لوطن تحت السمع والبصر.
كل عام وأنتم بخير...