د. عبدالواحد الحميد
لا حديث للمواطنين، هذه الأيام، إلاَّ «ميزانية الدولة للعام 2017». فهي وإن كانت «خطة» أو «توقع» لما ستكون عليه إيرادات الحكومة وإنفاقها خلال العام القادم 2017 ومصادر الإيرادات وأوجه الإنفاق، إلا أنها ـ في واقع الأمر ـ تعكس سياسة الحكومة المالية ليس فقط لعامٍ واحد هو العام القادم كما جرت العادة وإنما أيضا لفترة قادمة تمتد لتغطي المدى الزمني لبرنامج التحول الوطني 2020 ورؤية المملكة 2030 من خلال تكريس نهج اقتصادي مختلف عما كان مُتَّبَعَـاً في السابق.
ومما يلاحظ أن الأرقام الفعلية المتحققة للميزانية السابقة، وهي ميزانية العام الحالي 2016، أظهرت عجزاً مالياً أقل مما كان متوقعاً، وهذا أمر إيجابي، كما أن الإيرادات غير النفطية قفزت بشكل كبير، وهذه إيجابية أخرى مع الأخذ بالاعتبار أن مصدر هذه الزيادة جزئياً كان في الأساس غير إنتاجي. كما أن ضبط الإنفاق وترشيده خلال الميزانية السابقة كان عاملاً مهماً في تقليص العجز مع الأخذ بالاعتبار أيضا أن هذا الأمر قد ترتب عليه في بعض الأحيان إلغاء أو تأجيل مشروعات تنموية كان المواطن يتطلع إلى تنفيذها.
ويمكن التوقف عند جوانب عديدة لافتة في الميزانية الجديدة للعام 2017 لعل من أبرزها انخفاض العجز بما يفوق المتحقق في ميزانية العام 2016 وكذلك المنهجية الجديدة المتبعة في إعداد الميزانية وما ذُكر من ترتيبات تتعلق بتحقيق توازن المالية العامة وتحديث للإصلاحات المالية والهيكلية بما في ذلك إنشاء وحدة للمالية العامة بوزارة المالية ورفع كفاءة الإنفاق التشغيلي والرأسمالي وغير ذلك.
كل ذلك يعكس حرصاً من الدولة في المرحلة الحالية لإيجاد قاعدة متينة لاقتصادٍ مستقرٍ يحقق نمواً مستداماً غير عابر. فبهذا وحده يمكن أن نتجنب الهزات العنيفة التي يتعرض لها اقتصادنا الوطني من حين لآخر بسبب ريعيته واعتماده على تصدير النفط وهو المادة التي تخضع أسعارها لعوامل خارجية لا يمكن السيطرة عليها.
ونظراً للظروف الاقتصادية العامة محلياً وعالمياً فإن تحقيق نمو اقتصادي خلال الفترة القادمة القريبة هو أمرٌ في غاية الأهمية لكي لا تتفاقم الحالة الاقتصادية. وبما أن نمو الاقتصاد خلال عام 2016 كان 1,4% ونمو القطاع الخاص كان 0,11% فإن من الضروري الأخذ في الحسبان تداعيات ذلك. فالإجراءات الترشيدية في الإنفاق الحكومي وزيادة الرسوم والضرائب التي تستقطع جزءاً من دخل المواطنين قد تؤثر سلباً على الطلب الكلي وهو، بدوره، يؤدي إلى إضعاف النمو.
نعم، لن يكون من السهل تحقيق الإصلاحات المنشودة دون ألم، لكن المأمول هو تحقيق التحول بأقل قدر من الألم سواء بالنسبة للمواطنين أو للقطاع الخاص، وأن يكون لدى الحكومة المزيد من الآليات التي تحقق ذلك، ومن ضمنها ما جرى الحديث عنه من آليات لتقديم معونة للمواطنين للمساعدة في تَحَمُّل الأعباء المالية.