رقية سليمان الهويريني
إن المنادين بتقليص القبول في الجامعات يقابلهم بشراسة المطالبون بالتوسع في التعليم الجامعي باعتبار أنه حق للجميع، وأحد عوامل المعرفة!
والمنصف يرى أن الجامعات في بلادنا قد بالغت بالقبول خلال السنوات العشر الماضية لا سيما في المجال النظري كالتخصصات الإنسانية الناعمة التي ترتقي بالروح والنفس فحسب، حتى أصبحت لدينا تخمة في تخصصات وفقر في أخرى! ولعل وزارة التعليم تسعى لتغيير محتوى تلك الأقسام وترشيد القبول فيها، والاهتمام بنوعية مدخلاتها، بحيث لا يتم قبول أغلب الطلاب المتخرّجين من الثانوية، ويقتصر على المتميزين الجادين، والسعي لرفع معدلات القبول وتفعيل القياس والقدرات في ظل كرم بعض المدارس الأهلية في منح الدرجات لكثير من الطلبة. ولا شك أنه إذا صدقت الرغبة وجدت الطريقة.
وما يؤسف له أنه حتى بعض التخصصات العلمية لم تكن مدروسة بصورة كافية كتخصص التغذية والصناعات الغذائية في عدد من الجامعات، حيث تخرّجت الطالبات منذ عشر سنوات وبقين عاطلات، ومجموعة منهن عملن موظفات في البنوك دون تخصص! ولك أن تتخيّل كمية الأخطاء الناتجة دون علم أو تدريب، وإن حصل التدريب فكم هو الوقت الذي استغرقه البنك لتأهيلهن؟ بما يعني أن أربع سنوات ذهبت هدراً! وهذا مثال وليس حصراً! بينما تستقطب ذات البنوك الخريجات المتخصصات من معهد الإدارة والمعهد المصرفي لمدة سنتين! بما يعني أننا بحاجة لإستراتيجية جادة وتنفيذها بمراحل وبمراقبة دقيقة وتقويم مستمر، ولو نظرنا لتخطيط بعض الدول المتقدِّمة لعلمنا أنهم يجهزون الوظيفة للطفل حال ولادته بحيث يكون بديلاً لمتقاعد أو يتم توليد وظائف تناسب العصر. لذا فالأجدى التوجيه المبكر لاختيار التخصص وليكن من المرحلة المتوسطة وليست الجامعية.
والمرحلة القادمة تتطلب تعزيز النظرة الإيجابية للعمل المهني ولن تتأتى إلا بإرادة سياسية جادة من خلال فتح المجال للمواطن المهني ودعمه مادياً ومعنوياً عن طريق تأجيره مصنعاً أو ورشة تنتهي بالتمليك، ومنحه سكناً مناسباً ومكانة لائقة كما فعلت الحكومة سابقاً مع الشباب لإغرائهم بالانخراط في العسكرية حتى بدأوا يتهافتون عليها.
ولو أمعنا النظر في أرض الواقع لاكتشفنا مقدار ما يكسبه الميكانيكي في ورشة مجهزة، والكهربائي الماهر الذي يتسلّم عمارة كاملة لتجهيزها، والكسب هو المحك في نجاح العمل!