د. حمزة السالم
اختلف ابني آدم، فاختلفت الذرية. والخلاف فطرة فطر الله الناس عليها لكونهم أصحاب عقول وأفهام. فالخلاف لازم من لوازم العقول، فمن منع الخلاف عطل العقول وحجر الإنسانية في كونها نوعًا من فصيلة الحيوان، وقد قال تعالى: {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}. والخلاف قد يكون علميًا منطقيًا، وقد يكون بيزنطيًا لنقص في عقل أو تخلف في ثقافة أو من أجل تحقيق مصلحة خاصة، أو مجرد تعصب محض للجماعة وشاهد الأخير قولهم: «وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد».
ومن الظلم والخطأ الحكم على النيات من خلال تقييم أحاديث وكتابات من جازف متصديًا لنثر فكره أمام الناس. فالعدل والصواب أن نحكم على عقولهم. وذلك بالتجرد أولاً ثم بتتبع المنطق في أطروحاتهم وفي صحة مناسبات استشهاداتهم وظهور قوة دلالاتها، وبمقابلة المنطق بالاستشهاد لاختبار موافقته للاستدلال..
على أرض الوطن الواحد قد يحدث ما يمكن حدوثه بين أفراد العائلة الواحدة. فقد يقع الخلاف والاختلاف الذي يفسد للود ألف قضية وقضية وليس قضية واحدة فقط. وقد يصل الخلاف الفكري إلى أن يؤدي إلى المشاحنة والبغضاء بين أفراد الوطن الواحد - والناتجة عن ظلم بعضه بعضًا- إلى حد هجران الوطن والرحيل عنه سياحة في أرض الله الواسعة، فظلم أولي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند. ولا عجب فالخلاف من طبيعة العنصر البشري، لذا فكل ما مضى مقبول ومُتفهم طالما لم تُستبح حمى الديار..
ونحن كمجتمع نتطلع إلى الخروج من العزلة الفكرية التي عشنا فيها لعقود من الزمن، فإنه يجب أن نحيي النمط الإعلامي الجريء الذي ينتهجه البعض من أبناء الوطن، ما لم تُتعد حدود الخطوط الحمراء في الخلاف الوطني. فالحُرُ وإن غضب أو غاضب مخالفًا فلا تتعدى مخالفته حدًا يجلب به الضرر على قومه ووطنه، وأفعال من تلد الكرام كريمة وفعال من تلد الأعاجم أعجم.
وما دون ذلك، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا ألف بالخلاف الوطني، فهو محرك التطور ووقود النمو طالما لم يُستنصر بالغريب إعلاميًا أو ماديًا باستنفار لوسائل الإعلام الغربية المعادية أو المحايدة، من أجل نصر القضايا الفكرية المحلية.
وأهلاً بالخلاف ما لم يُؤلب على رمز قيادة البلاد، وما لم يُتعد على العُصبة التي التف حولها الحاكم والمحكوم، وما لم يُطعن في موجع من مواجع الوطن التي تُوجعه أمام الغرباء. فليس حرًا من إذا غاضب أو اختلف قام مستغلاً لمواجع قومه ضاربًا عليها في كل خلاف أمام الغرباء بدعوى الإصلاح والمحبة».
الخلاف هو محرك الفكر، والتكاشف الإعلامي هو وسيلته التي تعمل على إغلاق الفجوة الفكرية بين أفراد المجتمع. فحرية القلم والرأي هي السيف الذي يبتر الشائعات وهي الحكمة التي ينبع منها الرأي السديد وهي الرقيب الشديد الذي يكشف الأغطية عن فساد جاهل أو إفساد مُتعمد. وهي كذلك من ينقل الهموم الوطنية ويوصل أحاديث المجالس المتواترة بين الناس، إلى من يهمه حقًا سماعها كما هي، خالية من تجميل قلم الأديب وسالمة من تهذيب مقص الرقيب. فتصل صورة الحقيقة كما هي بصفوها وكدرها من غير فلترة المستشار الأمين ولا تكدير الخائن الدسيس..