بخارطة طريق طموحة لمستقبلٍ بإذن الله واعد وآمن وقوي، أضاءت الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية، والخطوط العريضة لأهداف التنمية المستدامة وتحقيق رؤية المملكة 2030، وحرصها على الدفاع عن القضايا العربية والإسلامية؛ افتتح خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله- الأربعاء 15 ربيع الأول 1438هـ، الموافق 14 ديسمبر 2016م، أعمال السنة الأولى من الدورة السابعة لمجلس الشورى، وذلك بمقر المجلس في الرياض، بخطاب حدد ملامح مهمة تستنهض همم المواطنين, وتؤكد المضي في تنمية الوطن والحفاظ على أمنه واستقراره في عالم مضطرب يموج بالصراعات، كما حمل رسائل مهمة لمواقف المملكة تجاه مختلف القضايا الإقليمية والدولية وسياساتها الاقتصادية.
أُطر إستراتيجية
جاءت كلمة خادم الحرمين الشريفين بأبعادها الإستراتيجية التي كشفت عن الإطار العام لسياسة المملكة، داخليًا وخارجيًا بما حوته من رؤية متعمقة للواقع وأخرى مستشرفة للمستقبل، ففي الشأن المحلي جعل حفظه الله على رأس الأولويات أن يعيش المواطن في رفاهية وأمن وأمان، مع المحافظة على منهج المملكة المتميز والثابت في تطبيق الشريعة الإسلامية ورعاية الحرمين الشريفين وخدمة قاصديه، والتأكيد على جانب الأمن باعتباره ركيزة أساسية في استقرار البلاد، والعمل على كل ما من شأنه دعم النمو الاقتصادي للمملكة مع الاهتمام بتنويع مصادر الدخل، وتحقيق معايير النزاهة من خلال رؤية المملكة 2030، وبرنامج التحول الوطني 2020 المنبثق عنها؛ من أجل مستقبل مشرق في البناء والتطوير.
وفي الشأن الدولي أوضح، حفظه الله، مضامين السياسة الخارجية المتزنة للمملكة التي جعلت منها مكانةً متميّزة دولياً؛ بثباتها المعهود في علاقاتها الدولية، وثوابتها ومواقفها تجاه قضايا الأمة والاستقرار العالمي، ومواجهة التحديات المحيطة في المنطقة.
وقال خادم الحرمين الشريفين في خطابه الملكي السنوي مخاطباً المجلس: «قامت دولتكم على كتاب الله وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، وسخّرت إمكاناتها لحماية أمن الدولة والمجتمع، وخدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما، وتقديم أفضل الخدمات للمواطن، واليوم -ولله الحمد- تسير بلادكم بخطى راسخة نحو التكيُّف مع المستجدات، والتعامل مع التحديات بإرادة صلبة؛ لنحافظ على ما تحقق من إنجازات، وعلى مكانة المملكة بين الأمم، ودورها الفاعل إقليميًّا ودوليًّا. إن دولتكم دولة الإسلام، الدين القويم الذي نزل على رسول البشرية محمد صلى الله عليه وسلم، دين الوسطية والتسامح، نعمل به ونسعى لتطبيقه على ما كان عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والخلفاء الراشدون من بعده رضي الله عنهم؛ فهو قدوتنا ومثلنا الأعلى، وسوف نواجه كل من يدعو إلى التطرف والغلو امتثالاً لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين». وبالقدر نفسه سوف نواجه كل من يدعو إلى التفريط بالدين».
وأوضح الملك سلمان في خطابه سياسة المملكة الداخلية، وقال إنها: «تقوم على ركائز أساسية، تتمثل في حفظ الأمن، وتحقيق الاستقرار والرخاء في بلادنا، وتنويع مصادر الدخل، ورفع إنتاجية المجتمع لتحقيق التنمية بما يلبي احتياجات الحاضر، ويحفظ حق الأجيال القادمة».
مشيراً حفظه الله إلى أن العالم يمر بتقلبات اقتصادية شديدة، عانت منها معظم دول العالم، وأدت إلى ضعف بالنمو، وانخفاض في أسعار النفط، وقد سعت الدولة إلى التعامل مع هذه المتغيرات بما لا يؤثر على ما تتطلع إلى تحقيقه من أهداف، وذلك من خلال اتخاذ إجراءات متنوعة لإعادة هيكلة الاقتصاد، قد يكون بعضها مؤلمًا مرحليًّا، إلا أنها تهدف إلى حماية اقتصاد بلادكم من مشاكل أسوأ فيما لو تأخرنا في ذلك، ولقد مر على بلادنا خلال العقود الثلاثة الماضية ظروف مماثلة، اضطرت فيها الدولة لتقليص نفقاتها، لكنها خرجت منها -ولله الحمد- باقتصاد قوي ونمو متزايد ومستمر، وإصلاحاتنا الاقتصادية اليوم انطلقنا فيها من استشراف المستقبل، والاستعداد له في وقت مبكر قبل حدوث الأزمات، وخلال السنتين الماضيتين واجهنا تلك الظروف بإجراءات اقتصادية وإصلاحات هيكلية، أعدنا فيها توزيع الموارد بالشكل العادل الذي يتيح فرصة نمو الاقتصاد وتوليد الوظائف، وتأتي رؤية المملكة 2030 في هذا السياق بهدف رفع أداء مؤسسات الدولة لغد أفضل، بإذن الله، ولتحقيق العيش الكريم لأبنائنا وبناتنا ونحن متفائلون بذلك بحول الله وقوته».
وفي مجال السياسة الخارجية أضاف خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز: سنستمر في الأخذ بنهج التعاون مع المجتمع الدولي لتحقيق السلام العالمي، وتعزيز التفاعل مع الشعوب لترسيخ قيم التسامح والتعايش المشترك، ونرى أن خيار الحل السياسي للأزمات الدولية هو الأمثل لتحقيق تطلعات الشعوب نحو السلام، بما يفسح المجال لتحقيق التنمية، والجميع يدرك أن الدولة السعودية الأولى قامت منذ ما يقارب الثلاثمائة عام، وتلتها الدولة السعودية الثانية، ومن ثم قامت الدولة السعودية الثالثة منذ قرابة المائة عام على يد الملك المؤسس عبدالعزيز، رحمه الله، ومرت عليها ظروف صعبة وتهديدات كثيرة، تخرج منها دائمًا، بحمد الله، أكثر صلابة، وأقوى إرادة بتوفيق الله وعونه، ثم بعزم رجالها وإرادتهم الصلبة، ولعل الظروف التي أحاطت بالمملكة وشقيقاتها دول الخليج في العقود القريبة الماضية خير مثال على ذلك؛ فقد استمرت فيها الحياة والنمو الاقتصادي على طبيعته، وهذه الظروف التي نمر بها حاليًا ليست أصعب مما سبق، وسنتجاوزها إلى مستقبل أفضل وغد مشرق بإذن الله، أقول ذلك وكلي ثقة بالله ثم بأبناء هذا الوطن، ولن نسمح لكائن من كان من التنظيمات الإرهابية أو مَن يقف وراءها بأن يستغل أبناء شعبنا لتحقيق أهداف مشبوهة في بلادنا أو في العالمين العربي والإسلامي، ورغم ما تمر به منطقتنا العربية من مآسٍ وقتل وتهجير إلا أنني متفائل بغد أفضل إن شاء الله.
وبالنسبة لليمن الشقيق فنحن في المملكة العربية السعودية نرى أن أمن اليمن الجار العزيز من أمن المملكة، ولن نقبل بأي تدخُّل في شؤونه الداخلية، أو ما يؤثر على الشرعية فيه، أو يجعله مقرًّا أو ممرًّا لأي دول أو جهات تستهدف أمن المملكة والمنطقة والنيل من استقرارها، ونأمل نجاح مساعي الأمم المتحدة في الوصول إلى حل سياسي باليمن وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم (2216)، والمبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني اليمني.
مسؤوليات تجاه الوطن
وخاطب الملك سلمان حفظه الله أعضاء المجلس قائلا: «إن مجلسكم الموقر عليه مسؤوليات عظيمة تجاه الوطن والمواطنين، وإنني أطالبكم جميعًا بأن تضعوا مصالح الوطن والمواطنين نصب أعينكم دائمًا، وإبداء المرئيات حيال ما تتضمنه تقارير الحكومة المعروضة على المجلس، والتشاور مع المسؤولين، وعلى المسؤولين في الجهات كافة التعاون مع المجلس، وتزويده بما يحتاج إليه من معلومات، متمنيًا لكم التوفيق في عملكم الذي نعقد عليه آمالاً كبيرة، ونحن على يقين بأنكم إن شاء الله أهل لذلك».
لقد أولى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، مجلس الشورى اهتمامه وعنايته منذ توليه الحكم في البلاد 3 ربيع الثاني 1436هـ، بل منذ أن كان أميراً لمنطقة الرياض، حيث حضر إحدى جلسات المجلس، لاطلاع أعضائه على جهود دارة الملك عبدالعزيز لحفظ وتوثيق تاريخ المملكة والعناية بالمخطوطات والوثائق التاريخية ذات الصلة بتاريخ المملكة، بوصفه رئيساً لمجلس الدارة، كما ألقى -أيده الله- الخطاب الملكي في افتتاح أعمال السنة الثالثة للمجلس في دورته السادسة نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله.
أيضاً ألقى الخطاب الملكي لدى افتتاحه أعمال السنة الرابعة للمجلس في دورته السادسة، حيث أكد أن برامج التطوير والتنمية التي نشهدها تنطلق من ثوابتنا الدينية وقيمنا الاجتماعية بما يحفظ الحقوق ويحدد الواجبات، مؤكداً -حفظه الله- العزم على مواصلة تلك البرامج في جوانب التنمية السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والخدمية.
انطلاقة جديدة في مسيرة الشورى
أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله يوم الجمعة 3 ربيع الأول 1438هـ، الموافق 2 ديسمبر 2016م، أمراً ملكياً بتشكيل مجلس الشورى في دورته الجديدة (السابعة) ومدتها 4 سنوات، واحتفظت 10 عضوات من أصل 30 عضوة بمقاعدهن، فيما انضم إلى المجلس 20 وجهاً نسائياً جديداً من مختلف التخصصات والخبرات ويمثل نصيب النساء في مقاعد المجلس 20 %.
وتشرف معالي رئيس مجلس الشورى الدكتور عبدالله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ وأعضاء المجلس بأداء القسم أمام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، حفظه الله، في الديوان الملكي بقصر اليمامة يوم الثلاثاء 14 ربيع الأول 1438هـ، الموافق 13 ديسمبر 2016م.
وجاءت الدورة السابعة الحالية لمجلس الشورى لتمثل انطلاقة تضاف إلى مسيرة طويلة، إذ أتت إثر دورات متعاقبة مر فيها المجلس في عهده الحديث بخطوات تطويرية متدرجة، في تحديث نظامه، وفي عدد أعضائه، وقد ازدادت ثقة المواطن بالمجلس ووعيه بمسؤولياته، وارتفعت تطلعاته لأن يقوم المجلس بدور أكبر على صعيد ممارسة دوره الرقابي، ودراسة الأنظمة وتحديثها وإقرارها، ومناقشة القضايا الوطنية الملحة، وأن يكون عوناً للأجهزة الحكومية بما يساعدها على إنجاز أعمالها.
وكان المجلس قد عقد خلال دورته السادسة 283 جلسة، أصدر خلالها 591 قراراً، منها 113 قراراً خاصاً بالأنظمة ولوائحها الداخلية، و258 قراراً تخص الجهات الحكومية، و16 قرارًا بالموافقة على مقترحات بأنظمة جديدة أو تعديل أنظمة نافذة قدمها للمجلس عدد من أعضائه استنادًا للمادة 23 من نظام مجلس الشورى، إضافة إلى الموافقة على عدد من الاتفاقيات والمعاهدات ومذكرات التفاهم مع عدد من الدول الشقيقة والصديقة، وهذه الأرقام رغم أهميتها في إحصاء الاجتماعات وتعداد القرارات لكن أهميتها أيضاً تكمن في مضامينها واستهدافها المصالح العامة بما يخدم الدين والوطن، وهي إنجازات كانت بحجم العمل الذي بذله المجلس ولجانه المتخصصة في دراسة جميع الموضوعات التي أُحيلت إليه، أو التي تم اقتراحها من أعضاء المجلس بموجب المادة الثالثة والعشرين من نظامه، مما يدلل على أن الدورة السادسة لمجلس الشورى، التي انتهت في الثاني من شهر ربيع الأول لهذا العام 1438هـ، مضت حافلة بالإنجازات والقرارات التي جسدت الدور التنظيمي والرقابي الذي يمارسه المجلس في نطاق اختصاصاته وصلاحياته التي حددها نظامه، وبوصفه شريكًا مهمًّا في صناعة القرار الوطني، وتتسامى مع النقلة النوعية التي شهدها أداء المجلس وصلاحياته من جهة، والثقة التي يحظى بها من القيادة الرشيدة والمواطن من جهة أخرى.
وقدم مجلس الشورى رؤيته في أداء الأجهزة الحكومية، وأصدر القرارات بشأنها، ورفعها إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، حفظه الله، بوصفه المرجع الأعلى للسلطات في الدولة، بعد مناقشات عميقة لتقارير أداء الوزارات والأجهزة الحكومية بهدف الارتقاء بخدماتها المقدمة للمواطن.
فما يقدمه المجلس هو بمنزلة قرار له قوته وإجراءاته الدقيقة والمحكمة، يصدر بعد دراسات ومناقشات معمقة، سواء في اللجان المتخصصة أو تحت القبة، وذلك إثر دورة عمل نظامية دقيقة، ومناقشات عميقة للموضوعات، واضعًا مصلحة الوطن والمواطن في مقدمة أولوياته؛ الأمر الذي أهّل المجلس ليكون سندًا قويًّا للدولة، ودعامة من دعائم التحديث والتطوير لأجهزتها ومؤسساتها.
إن الشأن العام وهموم المواطن والقضايا الوطنية الملحة كانت دومًا على رأس أولويات أعضاء مجلس الشورى الذين سعوا ويسعون جادين لتلمس حاجات المواطنين الآنية والمستقبلية، وكذلك استثمار التحديات التي تواجه مقدرات الوطن وإنجازاته وطرحها تحت القبة الشورية مدعومة بمقترحات لمعالجتها، وهي مبادرات من أعضاء المجلس خارج البنود الرئيسة لجدول أعمال الجلسات؛ ما يعكس مدى اهتمام عضو المجلس بهموم المواطن وحاجاته.
قرارات ونتائج ورؤية مستقبلية
وسعى المجلس في الدورة السادسة، من خلال مناقشته 591 موضوعًا على مدى أربع سنوات لتعزيز مفهوم الرقابة على أداء الأجهزة الحكومية، كأحد أهم اختصاصات المجلس؛ إذ لفتت قراراته التي تخص تلك الأجهزة النظر إلى العديد من المتطلبات التي قد تنقص تلك الجهات، وتقلل من فاعليتها في تقديم الخدمات المطلوبة للمواطنين. كما سعى المجلس إلى ترسيخ علاقاته بأجهزة الدولة ومؤسسات القطاع الأهلي، وإقامة جسور من الثقة المتبادلة عبر الزيارات واللقاءات لتلك الجهات للاطلاع عن قرب على خططها ومشروعاتها، وما تقدمه من خدمات للمواطنين، والتعرُّف على احتياجاتها والعقبات التي تواجهها.
ووضع المجلس رؤية المملكة 2030 وخطة التحول الوطني 2020 مرجعًا لقراراته؛ لتتلاءم تلك القرارات مع التطلعات لمستقبل المملكة العربية السعودية، ولتكون خطى التطوُّر متزنة وراسخة، وما يستلزمه ذلك من دراسات مستفيضة للأنظمة واللوائح التي غطت الكثير من المجالات التشريعية، وغير ذلك من الموضوعات التي تساير المتغيرات التي تشهدها المملكة على المستويَيْن المحلي والعالمي.
وفي الجانب التعليمي طالب المجلس وزارة التعليم بإعادة العمل بضوابط الإقامة عند تعيين المعلمات للحد من التنقل اليومي لمقر العمل، وما يترتب عليه من مخاطر، وبتقديم تقرير مفصل عن الأداء التعليمي، والممارسات السلوكية للطلاب والطالبات داخل المدرسة وفقًا للمعايـير المعتمدة، كما طالب وزارة التعليم بمراجعة خطط الوزارة الخاصة بالمباني المدرسية لتحقيق جودة عالية في الجانبَيْن الكمي والنوعي، والعمل على معالجة تعثُّر المشروعات، بإيجاد فرص وظيفية لخريجي وخريجات كليات المجتمع، بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، وكذلك بتفعيل مكاتب الخريجين في الجامعات، إضافة إلى تضمين تقارير الوزارة القادمة معلومات مفصلة عن مخرجات الجامعات، ونِسَب توظيف الخريجين في كل تخصص.