أ.د. إبراهيم بن محمد قاسم الميمن
في الثالث من ربيع الآخر من عام 1438هـ تحل بنا الذكرى الثانية لبيعة الخير والوفاء، بيعة مليكنا المفدى ملك الحزم والعزم، سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله- وأمد في عمره على الطاعة والإيمان، ومرور هذه المناسبة العزيزة على وطننا الغالي فرحة غامرة، ومحطة للتذكير بجم النعم، وواجب الشكر كما أنها تحكي منجزات كبرى، ومكتسبات وطنية عالمية وعربية ومحلية، ونعمًا لا تعد ولا تحصى مرت على وطننا ولا تزال وستظل بإذن الله، ما دام أن ثوابت ديننا هي أساس لحمتنا، وحماية العقيدة سر قوتنا، وحكم الله وشرعه هو واقع دولتنا ويكفي للتدليل على ذلك أن صيغة العلاقة ورابطة الصلة وأساس الاجتماع البيعة الشرعية التي هي عهد مع الله على السمع والطاعة، والقيام بمقتضيات الجماعة والإمامة، وتجسيد مقومات المواطنة الصالحة، ولاءً وانتماءَ، وحبًا وصدقًا، واجتماعًا وألفة، وسمعًا وطاعة، وتعاونًا على البر والتقوى، ووفاء بكل ما أوجبه الشرع بين الراعي والرعية، وهذه الذكرى العظيمة تذكير بهذه المقتضيات، ولو لم يكن من دلالاتها إلا إبراز هذا المصطلح الشرعي العظيم الذي عظمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وجعله الله سبحانه وتعالى في كتابه عهدًا معه فقال في شأن رسوله صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفي بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (10) سورة الفتح، قال الشيخ عبدالرحمن السعدي -رحمه الله- في تفسيرها: «أي: كأنهم بايعوا الله وصافحوه بتلك المبايعة، وكل هذا لزيادة التأكيد والتقوية، وحملهم على الوفاء بها»، ومن هنا فإن مرور هذه الذكرى يعيد للأذهان ما أنعم الله به وأفاء على وطننا من اجتماع ولحمة، وانتقال سلس للولاية والسلطة، لم يؤثر قيد أنملة على الأوضاع الداخلية، بل أصبح المسلمون المواطنون في هذه البلاد يتحدثون بعظيم النعمة، وتمام المنّة، ويفاخرون العالم بأننا تجاوزنا الحدث، ومررنا بالأزمة دون أي أثر يذكر، كما أن مرور هذه الذكرى تذكرنا بالإنجازات التي تحققت في عهده -حفظه الله- رغم قصر المدة منجزات نوعية، وقرارات استراتيجية على جميع الأصعدة، أظهرت بجلاء ولله الحمد والمنّة قوة السياسة السعودية وعمقها على مختلف الأصعدة. فالمراقب لما تحقق خلال هذه الفترة ليرى المركز امتقدم الذي تبوأته هذه البلاد المباركة على مستوى العالم، فهي ضمن دول مجموعة العشرين وأعظمها تأثيرًا فيها، وهذا مركز مستحق بسبب تلكم السياسات المتوازنة التي واكبت المتغيرات وجاوزت بها الدولة الأزمات، وكذلك الدور القيادي الذي تقوم به في العالمين العربي والإسلامي لا من حيث هي مهبط الوحي ومهوى أفئدة المسلمين في كل مكان فحسب، بل لما للسياسات المتزنة والدور التنموي الخير، والمساهمات العظيمة التي جعلت من المملكة قائدة للعالمين العربي والإسلامي. لقد سعت المملكة بكل قوتها لدعم الاستقرار والتنمية المستدامة في أقطار العالم وكانت من أكثر دول العالم تقديمًا للدعم والمعونات الاقتصادية، ووقفت مع أشقائها العرب وقفة الأبطال لا سيما فيما تمر به المنطقة من أحداث كبرى وتحولات ومتغيرات، عصفت بدول مجاورة، فيما يعرف زورًا بـ»الربيع العربي» الذي انتشر بسببه الدمار والتفرق والاقتتال، وحمى الله سبحانه وتعالى المملكة منه، بفضله سبحانه ومنته، ثم بالعمل الجبار والوقفة الحازمة، والسياسة الحكيمة الراشدة التي ما فتئت هذه البلاد تطبقها، منتهجة في ذلك كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وكذلك وقفت في مواجهةٍ مع الإرهاب، المتمثل في الجماعات ومن يقف وراءها تلكم التي تهدد حدودنا وتحاول اختراق وحدتنا وأمننا، وقد أجرمت في داخل وطنها وسلمته لاتباع المجوس وتحالفت معهم لضرب وحدة الدول العربية عمومًا والمملكة على وجه الخصوص، وفي الجانب الآخر وفئات الفساد والإفساد التي تخدم التنظيمات الإجرامية بأفكارها المتطرفة وأعمالها الإفسادية لاستهداف أمن هذه البلاد، ومقدراتها ووحدتها، لتصمد هذه البلاد بقيادتها وشعبها، وتأتلف وتجتمع على ثوابتها الشرعية والوطنية، وتتوحد على قيادتها الحكيمة، بل وتكون محور اجتماع وإجماع إسلامي على محاربة هذا العدو، ومقاومة هذا المهدد الخطير.
لقد جسدت تلك المحن والأزمات الحكمة والحزم والحنكة والسياسة والدبلوماسية التي انعكست في مواقف أثبتت للتأريخ رسوخ قدم قائدنا - حفظه الله- وبعد نظره في السياسة الدولية والداخلية، ونظرته المستقبلية التي جسدتها «رؤية المملكة العربية السعودية 2030» التي ستسهم بإذن الله في تعزيز الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل وتحقيق الرفاه والتقدم، وتعزيز الإنتاج والاستدامة على النحو الذي يليق بهذه البلاد وأهلها، وكان للتعليم نصيب الأسد في اهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- كيف لا وهو رجل التاريخ والثقافة والعلم، فكانت القرارات المهمة في مسيرة التعليم بدمج وزارتي التربية والتعليم العالي في وزارة واحدة ليكونَ هذا القرار تسديدًا وتوحيدًا لرؤية التعليم في المملكة ودفعة حكيمة للتكامل بين قطاعات التعليم المختلفة، وبيئة مناسبة للتحول الوطني الذي سيسهم بإذن الله في مستقبل واعد زاهر مليء بالخيرات.
إننا ونحن نتذكر تفاصيل المنجزات، وما تحقق في هذه الحقبة الممتدة بإذن الله من خيرات وبركات، وما أغدق الله وأفاء ووفق إليه خادم الحرمين الشريفين من أوامر ملكية سامية تؤسس لاستقرار سياسي، ووحدة دائمة، وعز ورخاء وتؤكد ثوابت البلاد، وتحفظ هيبتها، وتثمر نعمًا لا تعد ولا تحصى، يَنْعم بها من شرفه الله بالانتساب إلى هذه البلاد المعطاء، بل وحتى المقيم فيها، فما أجلها من نعم في وقت نرى من حولنا يتخطفون، ويفقدون أعز المطالب، فالحمد لله على آلائه، ونسأل الله الذي أفاء بهذه الآلاء أن يحفظها من الزوال، ويحميها من دعاة السوء والفتنة، ونسأل الله أن يكتب التوفيق والسداد لإمامنا وولي أمرنا وقائدنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وأن يحفظ ولي عهده الأمين وعضده المكين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز وسمو ولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ونسأله سبحانه أن يمتعهم بالصحة والعافية، ويديم عليهم توفيقه وتسديده، إنه سميع مجيب.