د. محمد عبدالله الخازم
هذا المقال أعيد نشره، عطفًا على نقاش يدور حول تخفيض أعداد القبول بالجامعات. عندما يكون هدف التعليم الجامعي هو الحصول على الوظيفة مباشرة، فالنظرة العامة هي وجود فائض في مخرجات الجامعات، مما يدفع البعض للمطالبة بتقليص وإقفال بعض البرامج، كحل لا يراعي اعتبارات أخرى متعددة. وفي الطرف الآخر يطرح الرأي بأن هدف التعليم الجامعي معرفي وليس لغرض التوظيف فقط. لكن ماذا عن تفكير مختلف لطبيعة التعليم الجامعي والتخصص المهني؟
لنفترض بأن التوظيف هو الهدف الرئيس، فإن التوجه الأول المطلوب يأتي بتجاوز النظرة التقليدية للوظائف المتاحة للجامعيين. على سبيل المثال لم يعد بالضرورة أن يعمل خريج علم النفس أو الاجتماع في تدريس تلك التخصصات أو في المستشفى أو غيره من الوظائف التقليدية لهم، بل أصبحوا يعملون في الأسواق وفي الأعمال الإدارية العامة وفي خدمات العملاء وغيرها من المجالات التي تحتاج لخلفياتهم في فهم العملاء والمجتمع وغير ذلك. هذا يعني أن المهارات المطلوبة لهم ليست مهارات العلم ذاته وإنما مهارات أخرى - مهارات ناعمة- كمهارات الاتصال والتعامل مع الحاسب الآلي وإدارة المكاتب وغيرها. مثل هذا التوجه يفرض علينا تزويد خريجي العلوم الإنسانية بمهارات إضافية لتوسعة مجالات العمل أمامهم ولتبقى معلوماتهم المعرفية في تخصصاتهم مساعدة لهم للتميز في الأعمال المختلفة. بمعنى آخر يتطلب هذا التوجه توسيع مجال عمل خريجي الجامعات خارج نطاق تخصصاتهم الرئيسة، مع تعليمهم مهارات أساسية إضافية تتطلبها الأعمال تتجاوز مجرد تعليمهم الجانب المعرفي لتخصصاتهم.
التوجه العالمي الآخر الذي لم يتبلور لدينا بعد- أنا من المتحمسين لهذا النموذج- يتمثل في اعتبار الدرجة الجامعية العامة، كدرجة العلوم أو العلوم الإنسانية تأسيسًا لتخصصات تطبيقية أخرى. بمعنى آخر تتحول الدراسة الجامعية إلى عامة أو تأسيسية أو معرفية لمدة ثلاث أو أربع سنوات، حسب التخصص، لا تقود للممارسة المهنية المتخصصة ما لم يتبعها دراسة تطبيقية في المجال المهني المحدد؛ تخصصات صحة، قانون، تدريس وغيرها من المجالات المهنية.
مثال؛ لدينا بطالة عالية للجامعيين، والجامعيات بشكل أكبر، وفي نفس الوقت نقص كبير في التمريض، فماذا لو توسعنا في تدريس التمريض والتخصصات الصحية - كدرجة ماجستير أو درجة علمية مهنية ثانية- لخريجات الكليات العلمية والإنسانية؟
مثال آخر؛ في التعليم لدينا فائض خريجين بمستويات دون المطلوب، فماذا لو جعلنا الماجستير المهني - التطبيقي في التدريس مدخلاً للالتحاق بمهنة التدريس بدلاً من التربية والآداب والعلوم التي يلتحق بها الخريج بعد الثانوية ويملأ دماغه بالحشو على حساب التدريب على التطبيق المهني لمهنة التعليم؟
هذا توجه عالمي، له مبررات اقتصادية ومهنية ومعرفيه، سأشرحها في مقال آخر. لا يمكن الالتحاق ببرنامج مهني تطبيقي صحي أو قانوني أو تعليمي، ما لم يسبق ذلك الحصول على درجة علمية سابقة في أحد تخصصات العلوم الإنسانية أو العلوم وما في حكمها.