د. فهد صالح عبدالله السلطان
من المتفق عليه أن فيصل العمل ومحوره في القطاع العام هو خدمة عامة الناس (جمهور المستفيدين) وتسهيل وتوفير الخدمات العامة، ولذلك سميت الوزارة المعنية بموظفي القطاع العام وزارة «الخدمة» المدنية. ومن المفارقات الغريبة أن موظف الخدمة العامة طوال السنوات الماضية واستنادا إلى ثقافة المجتمع ينظر إلى طبيعة عمله على أنه مالك للخدمة لا مقدم لها، على الرغم من أنه يعمل بموجب عقد عمل يقدم من خلاله وظائف خدمية محددة مقابل أجر يتقاضاه شهريا. وما زال هذا المفهوم (تملك الخدمة ) وهذه الثقافة متأصلة لدى الكثير منا حتى يومنا هذا. هذا المفهوم وهذه الثقافة أفضت بضعاف النفوس منا إلى القيام بممارسات سلبية غير مشروعة. فهو يبيع الخدمة أحيانا نقدا (يرتشي) وفي أحيان أخرى يطلب تعويضا عينيا (خدمات أخرى في المقابل) وفي مرة ثالثة يحاول الحصول على مكاسب شخصية معنوية في مقابل ما يقدمه من خدمات ...الخ. يقوم بهذه الممارسات استنادا إلى ما يحمله من مفاهيم خاطئة عن طبيعة عمله الذي يرى أنه يملكه.. هذه المفاهيم الخاطئة افقدت المجتمع الشيء الكثير من المال والوقت والجهد بل ربما امتد أثرها إلى خلق انطباعات سلبية عن أداء الجهاز الحكومي بوجه عام. ولك أن تتصور الآثار السلبية التي قد يفضي إليها انطباع سلبي كهذا.
الشيء الملاحظ أن المجتمع لم يعد يحتمل مثل هذه الممارسات السلبية كما كان سابقا.
ومن هنا يمكننا القول بأن أي تطوير للقطاع العام يجب أن يبدأ من القوى البشرية العاملة وينتهي إليها.
ومن البديهات المتفق عليها أن قطاع الخدمات العامة يعتمد في الدرجة الأولى على الإنسان العامل (Labor intensive ). أي أنه ليس قطاعا إنتاجيا يعتمد على الآلة. وبالتالي فإن الإنسان سيبقى العامل الرئيس في العملية الخدمية مهما تم الاستعانة بالتقنية وغيرها في تسهيل الخدمات.
وبناء على ذلك ونظراً لتحديات المرحلة فإن توفر قوى بشرية عاملة تختلف في ثقافتها بشكل جذري عن تلك التي حملها العاملون في ذات القطاع لسنوات خلت أصبح ضرورة لا خيار. لم يعد وصف المواطن الواجب خدمته بالمراجع مقبولا ولم تعد كلمة راجعنا الأسبوع القادم مقبولة ولم يعد شعور الموظف العام بالفوقية مستساغا. حان الوقت لإلغاء كلمة (مراجع) من قاموس الخدمة العامة. واستبدالها بـ عميل. حان الوقت لتقييم موظفي القطاع العام من قبل متلقي الخدمة وجمهور المستفيدين (Stakeholders ) وليس من قبل الجهاز الذي يعملون به فقط. حان الوقت لصياغة منهج إداري يقوم على تكريم الأمين النزيه المنتج المبدع والتخلص مما سواه.
الذي أردت أن أصل إليه هو أننا أحوج ما نكون إلى إعادة هيكلة (مفهوم) العمل الحكومي و(آليته) وتبني برنامج شامل وطموح ومنهجي يقوم على ما يلي:
1-إعادة صياغة مفهوم الخدمة العامة وثقافة العمل لدى موظفي القطاع العام.
2-صياغة منهج ونظام لضبط سلوك العاملين في أجهزة قطاعي الأعمال والحكومة لتتواكب ومستجدات المرحلة.
3- تطوير أداء العاملين في القطاع العام بما يكفل توجيه مجهوداتهم وأنشطتهم إلى خدمة متلقي الخدمة وجمهور المستفيدين وتحقيق الأهداف الوطنية، وتقييمهم على أسس عملية من أهمها مدى تحقيقهم لهذه الأهداف.
4-تغيير مسمى وزارة الخدمة المدنية إلى وزارة التنمية والتطوير الإداري وتعديل أهدافها الإستراتيجية ومسؤولياتها وفقا لمستجدات المرحلة.