الدمام - فايز المزروعي:
أكّد خبير نفطي أن الأرقام الرسمية ما زالت تبين في الوقت الحاضر أن استهلاك الطاقة محليًا يرتفع بأعلى وتيرة في العالم، الأمر الذي يتطلب جهودًا كبيرة للحد من هذا النمو في الاستهلاك، الذي يشكّل تهديدًا للصادرات النفطية مستقبلاً كمنتج قابل للنفاد.
وقال رئيس مركز السياسات النفطية والتوقعات الاستراتيجية الدكتور راشد أبانمي لـ»الجزيرة»: إن رفع الدعم عن الوقود وتعويض المواطن ببدل عن هذا الدعم يعد خطوة جيدة في الحد من استهلاك الطاقة، لكن لا بد أن يتبع هذه الخطوة خطوات، كي تتم معالجة هذه المشكلة، وذلك من خلال وضع خريطة طريق تأخذ في عين الاعتبار ما يتشابك مع تلك القضية الشائكة بأبعادها القريبة والمتوسطة والبعيدة، حيث إن كل سلعة مدعومة لا تعين على الترشيد، بل تعين على التبذير والاستهلاك المفرط، كما أنه لا يستفيد منها المستهدف للمساعدة أي المستهلك بأقل من 20 في المائة من شرائح المجتمع المستهدفين، وعليه فإنه يجب الشروع بوضع خطة وطنية وتحقيقها على مدى قصير ومتوسط وبعيد.
وأضاف أبانمي: إذا أردنا تحقيق فعالية رفع الدعم عن أسعار الوقود، فإنه لا بد من العمل بشكل فوري على تطوير أنظمة المواصلات العمومية وتنظيمها، لجعلها أقل تكلفة وتخصيص طرقات للنقل العام، الذي سيوفر بدائل ملائمة تجعل الناس أمام خيار التخلي عن سياراتهم الخاصة، التي ستكون أكثر كلفة من تلك البدائل التي تتوافر في أنظمة النقل العام وخدماته، إلى جانب البدء في إنشاء مشروع وطني للنقل المدرسي يشمل جميع المراحل الدراسية، كما أنه يتوجب كذلك وضع رسم تنمية موارد مواصلات على رخص تسيير السيارات وفقًا لهيكل متدرج طبقًا لموديل السيارة ومعدل استهلاكها للوقود للحدِّ من انتشار السيارات القديمة، أو السيارات ذات الاستهلاك العالي للوقود، هذا على المدى القصير، وعلى المدى المتوسط فيجب الإسراع بعملية توحيد أسعار المنتجات البترولية في دول الخليج العربي، التي إذا ما تمت، فإنها ستوفر نحو 30 في المائة من إجمالي الاستهلاك في السعودية الذي يتم تهريبه وتسريبه إلى دول مجاورة أعلى سعرًا بدافع إغراء فارق السعر.
ويرى أبانمي، أن مثل هذا القرار سيكون تطبيقه بالشكل الأمثل عقب دخول مشروعات وسائل النقل العام المختلفة في كلِّ دول المجلس حيز الخدمة، نظرًا لأن المستهلك في أغلب دول المجلس يعتمد اليوم على وسيلة النقل الخاصة، مشيرًا إلى التفاوت الكبير في أسعار البنزين والديزل، حيث يتمتعان بدعم كبير في سوقي السعودية وقطر اللذين يعدان من بين أقل الأسعار في مختلف دول العالم، وبين سعرهما في الإمارات الذي يقترب من الأسعار العالمية.
وأضاف: كان الإعلان عن رؤية المملكة 2030 بمنزلة الحدث الأعظم في تاريخ المملكة، كما أن البدء بتطبيقها وبإيمان وقوة ومتانة وثقة حولها إلى خطة ملموسة نكاد نرى نتائجها الإيجابية التي ستتحقق بعد أكثر من عقد من الزمان تقفز باقتصادنا الوطني من اقتصاد ريعي يعتمد بشكل كبير على النفط بصورة أساسية إلى آفاق اقتصادية، تتنوع فيها مصادر الدخل من خلال التركيز على ميزات المملكة النسبية وتعزيز الكفاية في استثمار الموارد البشرية التي هي في حقيقتها مركز التنمية، ورؤية شاملة لتحويل حاضرنا الاقتصادي والاجتماعي إلى مستقبل مشرق يليق بمكانتنا العظيمة بين الأمم، فلا شك بأن اقتصادنا بحاجة ماسة إلى إصلاحيات هيكلية تعتمد على التنوع، ويجدر بنا في هذا المقام التركيز على أهمية التدرج، وربما من الحكمة أن نعطى بعض الوقت ليتأقلم الاقتصاد المحلي والمجتمع عليها، ولإعطاء الخبراء من المحللين والمراقبين لتقييم تلك الخطوات، وتجنب سلبياتها في الخطوات التي تتلوها، لأن التحول إلى عصر تتنوع فيه موارد الدولة إلى جانب النفط مثلها مثل ولادة الجنين، وفي هذه الحالة ولادة جيل جديد لا بد أن يعطى بعض الوقت للتأمل والمراجعة والتقييم حتى تنضج وتتفاعل فيه تلك الموارد بإيجابية مع بعضها البعض».
وكانت «الجزيرة» قد نشرت في 24 فبراير 2014م تقريرًا مفصلاً اقترح من خلاله الدكتور أبانمي رفع الدعم عن الوقود وتعويض المواطن ببدل عوضًا عن هذا الدعم، حيث قال حينها: «إذا أردنا حلّ هذه المعضلة، لا بُد أولاً من الاعتراف بوجودها علنًا، ومن ثم تجزئة المعضلة تلك إلى مكوناتها الأساسية ووضعها على ثلاثة جوانب؛ يتمثل الأول منها في الجانب السياسي الذي يملك القرار وينظم سياسة دعم أسعار الطاقة محليًا خصوصًا لشرائح الاستخدام العالية كالشركات والقطاعات الحكومية، ويتمثل الجزء الثاني في الجانب الاقتصادي الذي يعمل ويحدد خطورة هذا الاستهلاك على الصادرات النفطية وإيجاد الحلول لها، أما الجانب الثالث فيتمثل في الجوانب الفنية للمصانع والشركات وجهات الاستهلاك والتوجُّه لكيفية إيجاد الآليات لدى تلك الشركات للحدِّ من استهلاك الطاقة، وإيجاد طرق تخدم الغرض ذاته.
وأضاف أبانمي: الدعم الحكومي للطاقة يتجاوز مئات المليارات، وبعملية حسابية بسيطة بين فارق السعر الدولي والسعر المحلي نرى أن التكلفة عالية جدًا وبمردود متدنٍّ جدًا، فالاستهلاك المحلي يبلغ 4 ملايين بترول مكافئ يوميًا بما في ذلك بترول خام ومشتقاته والغاز ومشتقاته، أي أنه بالسعر العالمي (4 ملايين برميل *100 دولار) أي 400 مليون دولار، ويباع بالسعر المحلي بين 6 و10 دولارات للبرميل أي بمبلغ لا يتجاوز وفي أحسن تقدير أربعين مليون دولار يوميًا، وكما ترى الفرق الهائل والمخيف الذي يبلغ نحو 300 مليون دولار يوميًا، وحسب التقارير فإن الاستهلاك المحلي للطاقة يرتفع بمعدل 8 في المائة وهو الأعلى في العالم على الإطلاق، وإذا استمر هذا الاستهلاك على هذا المنوال وعلى هذه الوتيرة فسيبلغ استهلاك المملكة المحلي خلال 20 عامًا فقط نحو 8.5 مليون برميل يوميًا، فالواجب يحتم علينا إعلان استنفار وطني شامل وفوري للحد من هذا الخطر المحدق والشروع بوضع خطة وطنية وتحقيقها على مدى قصير ومتوسط وبعيد، كذلك يجب تخفيض الرسوم الجمركية أو إلغاؤها على السيارات (الهجينة - الهايبرد) التي تعمل على الكهرباء والبنزين، إلى جانب منع استخدام السيارات الحكومية ذات الدفع الرباعي وشطب السيارات التي يزيد عمرها على 20عامًا والسيارات ذات السعة التي يزيد حجمها على (3000 سي سي) بهدف توفير كلفة استخدام البنزين، وتنظيم صارم لاستخدام السيارات الحكومية في العمل الرسمي ومراقبة ومتابعة حركة السيارات الحكومية وإلغاء كروت المحروقات المجانية للسيارات الحكومية، الأمر الذي يسهم في ترشيد وضبط الاستهلاك المفرط وغير المسؤول.
وأكد أبانمي، ضرورة الإسراع في إيجاد جهاز رقابي فعال، يراقب تفعيل الإجراءا ت المتعلّقة بالنفط ومشتقاته التي تتخذها الحكومة على نفسها وشركات المنافع الأخرى المدعومة منذ عقود من الزمن، وذلك لغرض الإشراف ومراقبة تحسين كفاءة الطاقة لتلك الشرائح الكبيرة، ومن خلال البدء التدريجي بإلغاء الدعم الحكومي للوقود عن الشركات كشركة الكهرباء ومؤسسة تحلية المياه.
وأضاف: عدم مراقبة هذا الدعم المقدم من الدولة للمشتقات البترولية، سيخلق مشكلات أمنية واجتماعية، وبالفعل فلقد شجع عصابات التهريب للدول المجاورة، وذلك للاستفادة من أسعار الطاقة المدعومة، فهناك تجارب فعّالة استخدمتها عديد من الدول وبالإمكان الاستفادة منها، وعلى سبيل المثال تقدم أمريكا برنامجًا غير معلوم للجميع لدعم المزارعين وتوفير الوقود المدعوم لهم، وهو دعم يوصف بالدعم الذكي، حيث يعملون على توفير الوقود للمزارعين كل حسب احتياجه، ولكن هذا الوقود يضاف عليه مادة ملونة يجعله يختلف من ناحية اللون عن الوقود التجاري لسهولة الكشف عليه، فإذا تَم بيعه أو استغلاله يتم مخالفة المستفيد منه وتغريمه بنحو 10آلاف دولار وهي تكلفة كبيرة جدًا تجعل المستفيدين لا يبحثون عن هذا الوقود حتى لو رخص ثمنه، كذلك هناك طرق وتجارب عديدة لا يمكن حصرها للحدِّ من استغلال الطاقة المدعومة، إلى جانب الترشيد في استهلاكها.