د. أحمد الفراج
تحدثت في المقالين الماضيين عن ملابسات غزو العراق في 2003، وكانت هذه العودة للموضوع، بسبب الكتاب الصادر حديثاً، عن ذلك الغزو، الذي صدر قبل أيام، لضابط المخابرات الأمريكي، الذي تولى التحقيق مع صدام حسين، بعد القبض عليه، جون نيكسون، والذي تحدث عن البيوقراطية التي تحكم عمل أكبر وأهم وأقوى استخبارات في العالم، أي الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إي)، وعن خضوعها لرغبات الرئيس، القابع في البيت الأبيض، وكيف أنها تكتمت على معلومات كانت بحوزتها، بشأن أسلحة الدمار الشامل العراقية، وقدمت لإدارة بوش الابن ما كانت إدارة المحافظين الجدد تود سماعه، لعلمها أن بوش وأركان إدارته كانوا قد قرروا ضرب العراق، ويعتزمون المضي قدماً في ذلك على أي حال، ويحتاجون فقط لذرائع مقنعة للشعب الأمريكي ووراءه العالم.
يواصل الضابط جون نيكسون الحديث عن ملابسات ذلك الغزو، ويتحدث عن صدام حسين، الذي قدمته إدارة بوش الابن للعالم، على أنه هتلر جديد، يمتلك أسلحة محرمة، وينوي تدمير العالم، متى ما وجد الفرصة سانحة لذلك، وكانت إدارة بوش قد أوكلت مهمة التحقق من هوية صدام، بعد اعتقاله، إلى الضابط نيكسون، المتخصص في العراق وصدام حسين، وقد تحقق نيكسون من هوية صدام، عن طريق وشم القبيلة، في كف يده اليمنى، وعن طريق أثر رصاصة، كانت قد أصابته عام 1959، ويؤكد نيكسون على أنه صدم، عندما اكتشف أن كل المعلومات، التي كان قد جمعها عن صدام خاطئة، فقد اكتشف أن صدام كان، قبل غزو العراق بفترة، قد أوكل إدارة العراق إلى مساعديه، وبالذات نائبه، طه ياسين رمضان، الذي أوكل له صدام السياسة الخارجية، ولم يحسن رمضان التعامل مع هذا الملف، مما زاد من عزلة العراق الدولية.
أما صدام حسين، حسب نيكسون، فقد تفرغ لكتابة رواية، وسخر كل وقته لذلك، وقد أبدى صدام امتعاضه لنيكسون، بسبب مصادرة الجيش الأمريكي لمسودة روايته، التي يهمه إنجازها، ونشرها. ويضيف نيكسون بأن صدام قد يكون ديكتاتوراً دموياً، ولا خلاف على ذلك، لكنه لم يكن أبداً ذلك الوحش الذي يريد تدمير العالم، كما صورته إدارة بوش، في معرض تسويقها لغزو العراق واحتلاله!، وكانت أهم شهادة للضابط نيكسون هي الإجابة عن هذا السؤال: «هل كان صدام حسين يشكل خطراً، ويستحق قيام حرب، واحتلال بلد مستقل؟»، ويجيب نيكسون بالنفي، معللاً ذلك بأن صدام كان مشغولاً بكتابة روايته، وهنا يؤكد على أن السي آي إي كانت تعلم الكثير عن ذلك، ولكنها لم تقدم هذه المعلومات، التي كان من الممكن أن تحول دون غزو العراق، إلى الرئيس بوش الابن وإدارته! وسنواصل الحديث عن ملابسات غزو العراق، من وحي شهادة أهم ضابط استخبارات أمريكي!