حمّاد السالمي
إلى جانب الاحتفال بالذكرى الأولى للبيعة، وانطلاق عام مالي جديد؛ بميزانية تتوخى التوازن في وارداتها ومصروفاتها؛ فإن المجتمع السعودي اليوم؛ يعيش أجواء إنسانية مميزة وفريدة، وسط كم كبير من مشاهد الدم والبؤس والحرمان التي تعم الإقليم، وتعصف بعدة مجتمعات عربية وإقليمية، وفي المقدمة المجتمع العربي السوري، الذي وقع فريسة لجبروت السلطة الحاكمة، وضحية إرهاب الجماعات المتلبسة بالإسلام، وأطماع قوى إقليمية ودولية؛ تصفي حساباتها في المنطقة، على حساب السوريين والعراقيين واليمنيين والليبيين وغيرهم.
مئات الملايين من الريالات حتى اليوم، هي حصاد حملة إغاثة الشعب السوري التي تنفذ في المملكة، حيث بدأها خادم الحرمين الشريفين وولي العهد وولي ولي العهد بعشرات الملايين، ثم أصبح شعار الحملة عند أكثر من عشرين مليون سعودي: (ادفع ريالاً تنقذ سوريًا)، ذلك أن الحالة التي وصل إليها أكثر من أحد عشر مليون سوري مهجّر من أرضه ووطنه، تتطلب الدعم والمؤازرة وتعزيز الصمود في هذه المواقف الحرجة، وهذا ما درجت عليه الدولة السعودية حكومة وشعبًا منذ عهد الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، إلى عهد الملك سلمان -حفظه الله-، رغم الظروف الاقتصادية التي تمر بها نتيجة تدني أسعار النفط.
إن كل نازلة أو محنة عرفها شعب عربي أو مسلم، تقابل بشعور إنساني أخوي من حكام هذه البلاد الطاهرة، ومن شعبها الكريم المعطاء، يشهد بذلك ما يقدمه مركز الملك سلمان للإغاثة لدعم الشعب اليمني، من معونات مادية وعينية وطبية على مدى أكثر من عام. نتذكر جيدًا حملة المملكة للتبرع ودعم الشعب الجزائري في نضاله لنيل الاستقلال في نهاية الخمسينيات من القرن الميلادي الفارط، ثم دعم الشعب الفلسطيني على مر سبعين سنة من صراعه مع العدو الصهيوني، ابتداءً من حرب 48م إلى اليوم، وكان من أجلّها وأعظمها وأقربها للذاكرة، مشروع: (ادفع ريالاً تنقذ عربيًا)، الذي أعقب حرب سنة 67م مع العدو الصهيوني، وجاء لدعم الأسر الفلسطينية المهجّرة بعد العدوان على الأراضي العربية واحتلالها، ثم تزعم اللوبي الصهيوني في أمريكا لحملة عدوانية ضد الفلسطينيين والعرب تحت شعار: (ادفع دولارًا تقتل عربيًا)..!.
جاء الريال السعودي في تلك الحملة الشعبية الشهيرة للإنقاذ، في مواجهة الدولار الأمريكي القاتل..! كنا تلاميذ على مقاعد الطلب وقتها، وتشبعنا بروح الإخوة العربية والشعور بشعور المنكوبين والمحزونين منا في أرض فلسطين. كل تلميذ في مدارسنا تخلى عن إفطاره، ووضع مصروفه اليومي في صندوق التبرعات. وتحولت ساحة المدارس في مدينة الملك فيصل العلمية بالعزيزية في الطائف؛ إلى يوم احتفالي مشهود لم نعرفه من قبل. حفل خطابي وشعري، وتزاحم على صناديق التبرعات من الصغار والكبار.. ورأيت بأم عيني ربات البيوت؛ وهن يقفن وينزعن ما يلبسن من حلية وذهب، ويضعنها في الصناديق. في اليوم التالي كنت في مكتب منظمة التحرير (فتح) بباب الريع. ازدحم المكتب في ذلك اليوم وفي أيام تالية له؛ بسيدات تأخرن عن يوم الاحتفالية الأولى، ورحن يقدمن مجوهرات ونقود ويرددن عبارات التأييد لعرب فلسطين وعروبة فلسطين. اليوم يتكرر المشهد في كل مناطق المملكة. الشعب السوري يمر بمحنة عظيمة، وإذا لم يلق الدعم والمؤازرة من أبنائه المقتدرين، ومن إخوانه العرب، فممن يجدها..؟.
هناك أكثر من مليونين ونصف المليون سوري من المهجرين تستضيفهم المملكة، وعشرات الآلاف من التلاميذ والطلاب السوريين منخرطين في المدارس والجامعات، وأكثر من 30 ألف رجل أعمال سوري؛ مستفيدون من التسهيلات الممنوحة لهم من المملكة للتجارة والاستثمار والعمل على أرضها. أتمنى أن نشهد ونسمع عن رجال أعمال سوريين من هؤلاء؛ يتقدمون المتبرعين في حملة الدعم الإنسانية هذه لأهلهم وأسرهم ومجتمعهم السوري في هذه الظروف الصعبة.. لم يحدث شيء من هذا حتى اليوم.
من المهم جدًا؛ أن تعم روح الأخوة هذه التي نراها جلية في الشعب السعودي؛ وهو يجعل الريال في مواجهة القتل والتشريد والجوع والغبن لملايين الشعب السوري.. أن تعم هذه الروح بقية أبناء العروبة والإسلام في دولهم وبلدانهم، وأن تظهر عليهم هنا في بلدنا الذي يعيشون فيه مستظلين بأمنه، ومستمتعين بخيراته، وخاصة المقتدرين من الشعب السوري قبل غيرهم، وأن نحرص بكل قوة ونحن ننخرط في هذه الحملة الإنسانية العظيمة؛ أن توجه تبرعاتنا ودعمنا إلى مستحقيه الفعليين من الأسر السورية المنكوبة عبر القنوات الرسمية للدولة، وليس عبر أشخاص سعوديين وسوريين وغيرهم، هم في غالبهم مدعين ومرتزقين، أو داعمين لجماعات إرهابية مثل داعش والنصرة (جفش)، ومنهم من يقوم بزيارات منظمة لمناطق ومحافظات، ويجد من يسهل له خداع الناس، وكسب عطفهم، واستلاب أموالهم لحساباته الخاصة مثل المدعو (عدنان العرعور) وخلافه، ممن يركبون موجة الخيرية السعودية لأغراض شخصية.
أحيي الشاعر السوري: (غانم بن خلف الصبيخان العبيدي)، الذي تفاعل مع هذه الحملة الإنسانية المباركة فقال:
بارك الله في جهودك يا الملك سلمان
ديرة آل سعود يا الله بارك سلمانها
وبارك بشعبه الوفي شعبه رفيع الشان
يا الله تعز المملكة يا الله ترفع شأنها
دار الحزم والعزم دار الجود والفنجان
هي فزعة المظلوم من أخواتها وجيرانها
تحكم بشرع الله وتتبع سنة وقرآن
وفي حكمها السيف الشطير اقتص من خوانها
عنها المواقف قد حكت أن الوفا عنوان
والملك سلمان الوفي متمسك بعنوانها
وإن الوطن شعب وملك متعاهدين إخوان
وإن الكرامة والكرم ميدانها ميدانها
واليوم ست سنين مرت دمرت بلدان
وكم من شعوب محاصرة في بيوتها وبلدانها
مع سوريا مثل الجسد نشكي ألم واحزان
عشنا السنين الدامية ذقنا مرار احزانها
مفتوح باب الخير وأجر الخير بالميزان
سلمان والشعب السعودي هم لها واخوانها