ناصر الصِرامي
انتهى زمن الدول العابرة للقارات وللجغرافيا العالمية كما نعرفها اليوم، القومية بمعناها الثقافي والحضاري.. بما في ذلك عامل اللغة المشتركة. الحقيقة، إننا في عصر التكتلات، المصالح، والدولية الاقتصادية، والارتداد إلى الحضن الجغرافي الوطني أولاً. والردة عن مفهوم القوميات بشكل شامل، والاكتفاء بالجغرافيا الحديثة الموثقة في الأمم المتحدة وبكل أعضائها على هذا الكوكب.
الدولة الوطنية التي تعني احترام عقد المواطنة بين المواطن والدولة هي في الحقيقة تقدم عقد التزام كامل بالحقوق والواجبات المتكافئة بين أبناء الوطن جميعًا دون أي تفرقة.
أكتب هذه المقالات من وحي مراجعات لملتقى نوعي، حضره أكثر من 400 عالم ومفكر وباحث عربي ومسلم من مختلف دول العالم في أبوظبي، قبل أن تقفل السنة 2016 الماضية آخر أشهرها وملفاتها. كان التركيز في الملتقى عميقًا جدًّا، «مشروعية الدولة الوطنية»، لم أكن أتوقع أن الوطن يحتاج لسند شرعي!
فقاموس أكسفورد يصف الوطني مباشرة بالشخص الذي يدعم بلاده بقوة، والمستعد للدفاع عنها من الأعداء أو المنتقصين. فيما موسوعة ستانفورد للفلسفة قدمت لتعريف قياسي للوطنية، هو حب المرء لبلاده، ويتضمن: عاطفة أو تعلقًا وجدانيًّا بالبلد. قلقًا واهتمامًا خاصًا برفاهية وخير البلد، الإحساس بهوية خاصة معه، والاستعداد لتقديم تضحيات.
لقد اختطفتنا مصطلحات الإسلام السياسي، من دولة الخلافة، وأمة الإسلام، ومقارنات لا تتوقف عن ومع الأشكال المختلفة لما يسمى بالدولة الحديثة، وأصبح مطلوبًا «شرعنة» وتحليل الدولة الوطنية..!
إذ لم تقتصر تلك الجماعات على عدم قناعتها «بالوطن» وفق المعطيات الجغرافية الحديثة، بل ذهبت إلى المتاجرة بالدين سياسيًّا، كما أن تلك الجماعات التي لم ولن تؤمن بالدولة الوطنية معروف أن ولاءها التنظيمي الأيديولوجي فوق كل الولاءات الأخرى؛ فهي ترى نفسها عابرة للحدود والجغرافيا، ولا أهمية تذكر لمصالح الداخل قدر الاهتمام برعاتها ومموليها و»بوس» أيادي مرشديها.
لقد نجحت الدول التي واجهت الأزمات والإرهاب في الفصل بين الخلفية الثقافية والعنصرية أو حتى الاجتماعية لكل المتورطين في الإرهاب والتخريب، وبذلك نجحت دولة مثل المملكة العربية السعودية في تحقيق سلم اجتماعي رغم الأخطار التي مرت بها. فالدولة التي تقوم على أسس المواطنة الصالحة هي دولة تبحث أساسًا عن الاستمرار والاستقرار والتنمية والتفوق، وهكذا هي المملكة العربية السعودية.
وهذا ما يزعج حقًّا الجماعات التي تدعم الإرهاب، والتي لديها رغبة لتحقيق حلم الخلافة المشوه، والتصادم مع العالم بل مع الإسلام قبل ذلك، وخلق مصادمات فعلية بين المواطن ووطنه، وبين الإنسان وأرضه، باستخدام العنصرية والتميز والمذهبية والطائفية وتفخيخ العلاقة بين الدولة ومواطنيها!
دول الخليج العربية نجحت مقابل كل العرب تقريبًا، لتركيز هذه الدول على مصالحها الوطنية، وعلاقاتها بمواطنيها، وسط منهج سياسي واقعي، ومحاولات للتكامل الاقتصادي.
ذلك يعني بالضرورة التركيز على المصالح الوطنية الاستراتيجية أولاً وعاشرًا، وليس أولوية الإصلاح الإقليمي والدولي والاستنزاف في هذا المحيط بقدر محاولة استمالته للتماشي مع المصالح الوطنية. وربما يتبع ذلك مساعدتها على التحسين من وضعهم، والتفوق على معوقاتها، والدعم الاقتصادي - السياسي الواقعي المحسوب بدقة للحلفاء الدائمين فقط..!