محمد سليمان العنقري
أعلنت مؤسسة النقد زيادة الحد الأقصى للتمويل العقاري الممنوح من البنوك والمصارف للمواطنين لتملّك المسكن الأول، حيث تم رفع نسبة التغطية من 70 % إلى 85 %، وقد تم العمل بالنظام الذي تم تعديله الخميس الماضي قبل حوالي عامين، حيث كانت المؤسسة تنظر إلى أن حجم المخاطر بالسوق العقارية مرتفع وأن البيئة التنظيمية لم تكن مكتملة بالقدر الذي يسمح برفع سقف تغطية القروض مما أدى إلى اعتماده عند حدود تعد تحوطية حتى لا تتزايد حالات التعثر ويتضرر النظام المالي والاقتصاد بشكل عام.
وبداية فإن المؤسسة كانت قد وافقت لمؤسسات التمويل العقاري بأن ترفع نسب التغطية إلى 85 % قبل ذلك بعدة شهور إلا أن تغييرها الأخير للبنوك يعد الأهم كونها الأكثر قدرة على التوسع بالتمويل العقاري نظراً لضخامة محافظها الإقراضية؛ فحجم القروض العقارية حالياً يبلغ 8 % من إجمالي قروض البنوك بحوالي 110 مليارات ريال وتستهدف المؤسسة أن يصل إلى حوالي 15% بعد أربعة أعوام أي ما يقارب 250 مليار ريال مع الأخذ بعين الاعتبار نسبة النمو لمحفظة الإقراض الإجمالية للقروض، لكن الأهم في بيان مؤسسة النقد الأخير هو ما أوضحته حول سبب تغييرها لسقف الإقراض، حيث ذكر في البيان على لسان معالي محافظ مؤسسة النقد «تبيّن للمؤسسة تطور البيئة النظامية والرقابية المصاحبة للتمويل العقاري، وذلك يعزِّز من مستويات الحماية من المخاطر المصاحبة لهذا النوع من التمويل بما يحقق المحافظة على حقوق أطراف العلاقة وثقة المتعاملين في التمويل العقاري» هو ما يشير إلى أن العوامل التي كانت تفتقدها السوق العقارية من تنظيمات تسمح بنشاط التمويل قد اكتملت بأهم عناصرها الأساسية.
فأول ما يمكن فهمه من تغيير سقف الإقراض للأعلى هو أن التصحيح دخل السوق العقارية ويلاحظ ذلك بطرق ومؤشرات عديدة مما يعني أن الأسعار بدأت بالتراجع مما يقلّل من المخاطر بالسوق، إلا أن ما قصد بتطورات البيئة التنظيمية فهي تخص مؤسسة النقد التي تطورت أجهزتها الرقابية على أنظمة التمويل والمرخصين للعمل بسوق التمويل مما لا يسمح بأي انتكاسات أو مخاطر قد يتعرض لها النظام المالي، أما بقية الأنظمة فهي تخص وزارات الإسكان والتجارة وهيئة السوق المالية ووزارة العدل، حيث تم إقرار رسوم الأراضي الذي سيفتح الباب لزيادة المعروض من المنتجات السكنية وهو الأمر الذي يعد مفصلياً لزيادة نسب التملّك ولخفض الأسعار من خلال تنوّع المنتجات بما يناسب دخل الأسر واحتياجاتها، يُضاف لذلك أنظمة الرهن والتمويل العقاري وكذلك نظام التثمين الذي سيعزِّز مع الوقت من تحسين تقييم الأصول وفق القواعد العلمية للتقييم بالإضافة لقضاء التنفيذ الذي تطور كثيراً ويضاف لكل ما ذكر توجهات دعم الحلول لزيادة المنتجات السكنية من قبل وزارة الإسكان مع التغيّرات التي خفضت من مدد منح التصاريح للمخططات السكنية والتي تحتاج للمزيد أيضاً من المرونة والتسريع خصوصاً من قبل وزارة الشؤون البلدية والقروية، فكل تلك العوامل باتت مساندة لأي قرار يسهم بتنشيط التمويل العقاري.
لكن بالمقابل قد يظن البعض أن مثل هذا القرار سيساعد على عودة الأسعار للارتفاع وتفعيل المضاربات بالسوق العقارية من جديد وهو مناف للحقيقة لأسباب عديدة؛ فالظروف الاقتصادية التي ساهمت لحوالي عشر سنوات بتحقيق معدل نمو سنوي بالمتوسط عند 5.5 % قد تغيّرت، حيث حقق الاقتصاد المحلي نمواً للعام المضي عند 1.4 % وهو تراجع كبير ولا يتوقّع أن نحقق معدلات نمو تزيد عن 2 إلى 2.5 % حتى العام 2020 أي أن النمو سيكون متوازناً ومتدرجاً بنسب بطيئة أي أن عوامل نمو أسعار الأصول خصوصاً العقارية تغيّرت ولن تكون داعمة لرفع الأسعار فالإنفاق الحكومي على المشاريع تقلَّص، بل تم تنفيذ الكثير مما خطّط له يُضاف لذلك تراجع أسعار النفط الحاد والاتجاه الحالي لرفع أسعار الفائدة الذي بدأ وسيستمر للعام 2018 ويتوقّع أن ترفع الفائدة بالعام الحالي لثلاث مرات أي أنها ستصل على الأقل إلى 1.5 % كسعر أساس أي ضعف السعر الحالي وبارتفاع أسعار الفائدة فإن تكاليف الإقراض سترتفع أيضاً وستقلّل من أثر انخفاض أسعار العقار الحالي بجاذبية التمويل حتى تطرح منتجات متنوّعة بأسعار أرخص من الحالية بنسب كبيرة وهو الأمر الذي سيحتاج لوقت ليس بالقصير على الأقل لعامين أو ثلاثة حتى نشاهد منتجات بأسعار منافسة ومناسبة.
كما أن الهيكلة الاقتصادية التي بدأت وتشمل بشكل أساسي إعادة توزيع دعم الطاقة لتصل لمستحقيها، حيث صمم برنامج حساب المواطن لذلك إلا أن آثارها ستظهر بارتفاع نسبي بتكاليف المعيشة ومع رسوم العمالة الوافدة فإن عوامل عديدة ستلعب دوراً مستقبلياً سواء بتكاليف البناء وخدماته بكافة الأنشطة التي تؤثِّر ببناء المساكن والتي ستكون مضادة لتراجع أسعار الأراضي يُضاف لها الحاجة الماسة لسرعة تنشيط بناء المشاريع السكنية دون تعقيدات تنظيمية أو إجرائية مع استكمال تنشيط سوق أدوات الدين.
نشاط قطاع التطوير العقاري يجب أن ينتقل لصناعة فعلية عملية بعيداً عن البقاء في دائرة التنظيم ووضع الإستراتيجيات والانتقال إلى الخطوات العملية بحجم يتماشى مع عمق مشكلة تملك السكن فجميع العوامل المساندة لتنشيط السوق باتت واقعاً ملموساً بينما بقي أن ترتفع وتيرة تنفيذ المشاريع لتلامس الحلول المطلوبة ليس فقط لمشكلة تملك السكن، بل لدعم النمو الاقتصادي والمساهمة برفع دور القطاع الخاص فيه تماشياً مع رؤية 2030 م فقرار رفع سقف الإقراض لن يغيّر كثيراً من قدرة الناس على التملك ببرامج التمويل من البنوك إلا إذا واكبه زيادة بالمنتجات وتنوع كبير فيها يكون بأسعار تتناسب مع الدخل بحيث لا تزيد عن «أربعة أضعاف حجمه السنوي» بحسب المعايير العالمية والتي ما زلنا نبتعد عنها كثيراً عند ما يزيد عن عشرات أضعاف الدخل السنوي.