إبراهيم عبدالله العمار
لا تستغرب سؤال العنوان؛ فهو حقيقة، وهو رأي منتشر عند كل من يقدّم عملاً فنيًّا أو أدبيًّا أو مسرحيًّا، وهو الآتي: عندما (يكح) أحد أفراد الجمهور - ولو كان واحدًا - فهذا سيبعث الانزعاج والقلق عند المؤدي المسرحي. لماذا؟ وماذا لو سعل شخص واحد؟ أي تأثير لهذا؟
الحقيقة، إن تأثير هذا كبير، وهي ظاهرة غريبة، دُرست كثيرًا، ووُجد أنها صحيحة كما قال روبرت تشالديني في كتابه «بريسويجن»، وهي أن أول شخص (يكح) يشعل فتيل السعال؛ فبمجرد أن يسمعه الآخرون فإن هذا يحثهم على أن (يكحوا)، وهكذا يضطر ملقي البيت الشعري أو الرسام أو الموسيقار الذي يعزف مقطوعة موزارت إلى أن يستمع لسيمفونية سعال لا تنتهي! هذه ليست خاصة بأهل الأداء المسرحي فقط بل إحدى أغرب الحالات حصلت لما كان 200 صحفي أمريكي في مأدبة عشاء، وكح أحدهم، ثم آخر، ثم ثالث إلى أن انفجر المكان بالسعال، حتى إن المسؤولين أخلوا المكان من شدة السعال، ومن الحاضرين وزيرة العدل الأمريكية جانيت رينو! بعد فحص المكان بدقة وعناية لم يجدوا أي سبب عضوي للكحة الجماعية هذه، والسبب نفسي.
كل عام نجد آلاف الحوادث مثل هذه حول العالم. وخذ أمثلة: في النمسا استقبلت السلطات بلاغات مواطنين عن رؤية عناكب سامة، تسبب لدغتها الصداع والغثيان؛ وامتلأت المشافي بكل من أصابته تلك الأعراض، واثقين بأن عنكبوتًا لدغتهم، لكن ظهر أن كلهم تقريبًا واهمون.
في أمريكا شمت معلمة رائحة غاز في الفصل، وشعرت بالغثيان والدوار، وبعدها بدأ طلاب ومعلمون يشعرون بالأعراض، حتى ترك 100 شخص المدرسة ذاك اليوم، وهرعوا للإسعاف بسبب استنشاقهم الغاز، ولم يكن هناك غاز، بل هذه هستيريا جماعية، أي وَهْم مشترك بين الناس، وأعراض نفسية، تُسبِّب أعراضًا جسدية. وأغلقت المدرسة 5 أيام، وفي أول يوم بعد افتتاحها فر 71 شخصًا إلى غرفة الإسعاف من جديد!
في ألمانيا شعر أحد حضور خطبة طبية بمشاكل جلدية، بتهيجات في جلده؛ وبدأ يحك، ثم أخذ آخر يحك، حتى صارت المحاضرة «محاككة»!
وهذا أفضل مثال يصف حالة طريفة، ربما تعرفها لو كنت تعرف أحدًا يدرس الطب، وهو ما يسمى (متلازمة طالب الطب)؛ فقد أظهرت أبحاث أن 70 - 80 % من كل طلاب الطب يصابون بهذا؛ إذ يشعرون بأعراض المرض الذي يدرسون؛ فالذي يدرس أمراض القلب يبدأ يلاحظ آلام صدر وصعوبات تنفس وخدر الذراع اليسرى.. والتي تدرس أورام الرحم تبدأ تقلق من آلام بطن مفاجئة، وتوقن أنها المرض نفسه، رغم أنهم أصحاء، لا بأس فيهم، إلا أن طالب الطب في كامل الاقتناع بأنه مصاب بالمرض نفسه الذي يدرسه. ومن قوة هذه الحالة النفسية أن تحذير الدكتور لطلابه قبل بداية الدراسة أنهم سيمرون بهذه الحالة لا يفيد! بل إن شعور الطالب بعدة (أمراض)، متتالية تتوافق مع الأمراض التي يدرسها، لا يقنعه بأن هذا مجرد تخيل.
إذا كنت طالب طب.. أعانك الله على أوهامك!