محمد آل الشيخ
في تقديري، إن (التفحيط) هو -أيضًا- ظاهرة من الظواهر الإرهابية الانتحارية، مثلها مثل الانتحاريين الإرهابيين من الداعشيين والقاعديين، كما أنها لا تفتك بهؤلاء المفحطين الإرهابيين أنفسهم فحسب، وإنما تفتك -أيضًا- بأولئك الذين لا ذنب لهم، ممن صادفوهم في الطرقات يستعرضون تهورهم وتمردهم على أنظمة الدولة.
تغليظ العقوبات المرورية المالية وغير المالية التي جرى اتخاذها مؤخرًا ساهم -بلا شك- في حصار هذا الشذوذ الذي لا يقره دين ولا أخلاق، ويكشف -كما يقول الخبراء النفسيون- عن علل نفسية، بسبب إهمال الوالدين تربية أبنائهم على احترام أخلاقيات المجتمع، والتقيد بالقوانين.. إلا أننا يجب أن نعترف بأن تغليظ العقوبة كرادع لهذه الانحرافات الشاذة لم يقضِ على هذه الظاهرة، ولم يحاصرها محاصرة فعالة؛ لذلك أرى أن من الضرورة الملحة بمكان أن تستعين الإدارة العامة للمرور (بطائرات الهليكوبتر) كما هي الحال في الدول المتقدمة، التي من خلالها يشعر الشباب الطائش المنفلت بألا مناص من وقوعه في قبضة الحكومة؛ لأن ملاحقة أحدهم بعربات المرور قد تدفعه إلى التمادي واستعراض مهاراته القيادية في الهروب من عربات المرور طلبًا للنجومية عند أقرانه وجماهيره؛ ما يجعل هذه المطاردات من شأنها أن تكون دافعًا لا رادعًا؛ خاصة أن (المفحط) شاب، يعاني في أعماقه غالبًا الفشل وتدني التنشئة الأخلاقية، ومن خلال التفحيط والحركات البهلوانية الجنونية بالعربة يستقطب إعجاب المراهقين ممن هم في أسنانه، ويصبح هو وأمثاله قدوة لهم، ومحرضًا لاقتفاء أثره. وهنا نقطة نفسية في غاية الأهمية، يجب مراعاتها عند قراءة هذه الظاهرة بعمق.
كما أن هناك أساليب التفافية على الرصد والمراقبة، يستطيع بها هؤلاء الشواذ الإرهابيون إخفاء رقم اللوحة؛ وبالتالي إخفاء هوية العربة؛ ليصبح الوصول إليهم برصد كاميرات نظام (ساهر) المروري -مثلاً- لا يجدي نفعًا.
كما أن هناك منهم من يعمد إلى سرقة السيارات، ليس عن حاجة أو طمعًا في ثمنها، وإنما ليستطيع بها ممارسة شذوذه الإرهابي هذا، والتخلص من رصد وضبط أجهزة المرور؛ وبالتالي عقابه ماليًّا وجنائيًّا على تجاوزاته.
وأرجو ألا يتحجج المسؤولون في الإدارة العامة للمرور بأن البلد الآن يمر بمرحلة تقشف؛ ما يجعل توفير أثمان وتكاليف تشغيل وصيانة هذه الطائرات أمرًا صعبًا إلى حد ما. هنا لا بد من الإشارة إلى أن دخل (ساهر) الذي زادت مداخيله المالية بعد قرارات تغليظ العقوبات المالية مؤخرًا ينسف هذه الحجة، فضلاً عن أن الحفاظ على أرواح وسلامة مرتادي الطرقات يجب أن يأتي كأولوية مطلقة في سلم مهام المسؤولين عن المرور.
وهذا لا يعني بالطبع إغفال الجوانب التوعوية الأخرى والاكتفاء بالردع؛ فلا بد -إضافة إلى ما تقدم- من تخصيص جهة توعوية في أقسام المرور في كل مدن المملكة؛ للقيام بجولات دورية مكثفة على المدارس، خاصة مدارس المرحلتين المتوسطة والثانوية، وغرس الوعي المروري، باستخدام وسائل توضيحية، وأدوات وتقنيات حديثة؛ للوصول إلى ذهنية الطالب وتوعيته.
ويجب ألا ننسى أن التفحيط والتهور في قيادة العربات يحصدان من السعوديين والمقيمين أضعاف ما يحصده الإرهاب؛ فلماذا لا نهتم به اهتمامنا بمكافحة الإرهاب، الذي تعتبر المملكة رائدة من رواد القضاء عليه؟
إلى اللقاء