إن العصمة لا تكون إلا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أما غيرهم من البشر فالكل معرض للخطأ والصواب، ولا ضير بأن يقال للمخطئ أخطأت، أو أن يعترف بخطئه؛ فها هو عمر الفاروق رضي الله عنه يعلنها : «لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نقبلها»، وهذه دلالة قوية على أهمية التحاور والاستماع والتقبل والنصيحة، والحوار حتى مع الأعداء، والرجوع عن الخطأ؛ فليس عيباً أو انتقاصاً من قدر الإنسان أن يعود ويتراجع عن الخطأ، بعد أن يتبين خطأ منهجه أو سلوكه أو إجراء قام به، بل إن هذا من الشجاعة والشهامة، وهو من خلق المسلم المتوج بالثقة ورجاحة العقل.
إن الكثير من مؤسسات الدولة، وفي مقدمتها مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني ومركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة ووزارة الشئون الإسلامية والدعوة والإرشاد والعديد من الجامعات وغير ذلك قامت بتنفيذ العديد من البرامج التي تهدف لمعالجة الأفكار المتطرفة ومحاربة الفكر القائم على الغلو والتشدد وأقصاء الطرف الآخر، فقد ساهمت العديد من الجهات بتقديم عدد من البرامج التوعوية والوقائية والتصحيحية والتي ساهمت في تعزيز اللحمة الوطنية والأمن الفكري والشراكة مع كافة شرائح ومؤسسات المجتمع، كما أن لجهود مركز الأمير محمد بن نايف دور في مناصحة المغرر بهم وإعادتهم لجادة الصواب وتصحيح مفاهيمهم ومن ثم مساعدتهم على الاندماج بالمجتمع وإعادتهم لجادة الصواب، وقد تحقق ولله الحمد نتائج طيبة لبعض ممن غُرِّرَ بهم ولا يزال مطلوب الكثير من الجهود والبرامج من قبل الجهات ذات العلاقة.
يقول الكاتب الإعلامي الأستاذ محمد علي المحمود في مقال له «كيف تصبح إرهابياً».. (إن كثيراً من المراهقين المندفعين لم يكونوا يعرفون ويدركون تعقيدات الوضع السياسي والعسكري محلياً وإقليمياً وعالمياً من حيث المعاهدات والمواثيق والسيادة على أرض الدولة وعدم التدخل في شئون الآخرين، وكنا نتصور أن بإمكان وطني أن يوقف المأساة الأفغانية أو غيرها من القضايا والحروب خصوصاً ماله علاقة بالمسلمين في يوم واحد من خلال تدخل بلادنا بالسلاح والرجال والعتاد.. وهذه العاطفة الدينية والاجتماعية لدى الشباب مع قصور في فهم الواقع المحيط أوجد حالة من الاحتقان والكره و هو ما تم استغلاله من المتربصين والحاقدين بضرب الأمة بعضها ببعض من خلال التغرير بشباب الوطن للانخراط في الجماعات الإرهابية).
نحن بحاجة إلى تكثيف البرامج التوعوية وتوجيه الشباب والتحاور معهم وإيضاح ما يلتبس عليهم وكيف نحافظ على أمن واستقرار بلادنا وشرح ما تقوم به بلادنا من جهود تجاه قضايا المسلمين والدفاع عنها وفق قنوات وأساليب وعلاقات سياسة واقتصادية واستثمارية.
الجميع يُكْبِرُ ويقدّر شجاعة من رجع إلى جادة الصواب وتراجع عن خطأه واعترف بقصور فهمه أو بمن أوقعه بهذه الأخطاء، وهذا من النعم العظيمة التي ميز بها الإسلام المسلمين؛ فالكمال ليس من صفات البشر، وكلنا مقصرون ولدينا أخطاء، والكثير منا لا يملك الشجاعة للعدول عن الخطأ وبيانه للناس؛ لأن هذا يحتاج إلى عمق شرعي، وصدق الكلمة، وشجاعة الضمير، وحب الخير ونشره بين الناس، كما أن هناك بعض الموقوفين، والذين خضعوا لبرامج المناصحة، ولكنهم عادوا إلى سابق ما كانوا عليه من فكر، وبالتالي نحتاج إلى التعمق في معرفة أسباب ذلك، وبمشاركة جهات أكاديمية واجتماعية وتربوية ونفسية، حتى يتم الخروج باستراتيجية وطنية واضحة لحماية الناشئة وتحصينهم.
إن فكر المراجعة والعودة للحق وجادة الصواب، هو ما يجب غرسه وتعليمه من قبل الكبير والصغير، بين الأب وأولاده، والرئيس والمرؤوسين، والمعلم والطلاب، والمرجع لذلك هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. والناس بحاجة لمن يذكرهم بذلك، ويحذرهم من مغبة التخلي عن كتاب الله وهدي نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، واللذين بهما تبيان لطريق الصواب بالرفق واللين. ومعلوم بأن المسلم قوي بدينه، وضعيف ببعده وجهله بهذا الدين العظيم، وما أكثر الجهال والمتجاهلين، والمتآمرين على قيم وفضائل ديننا الحنيف في هذا الزمن، والذي ابتليت فيه الأمة بأنواع الكوارث والأزمات بسبب البعد عن تعاليم ديننا وشريعتنا الغراء.
إن الإصلاح المنشود هو ما يرضي الله سبحانه وتعالى، ويتفق مع هدي السنة المحمدية، وما يميز المجتمع المسلم على وجه الخصوص، هو التسامح والتكامل والتعاون، والدعوة للخير بالحكمة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى ذلك وفق ضوابط وتعاليم شريعتنا الإسلامية، التي تحث على الرفق واللين، والبعد عن الغلو في الفكر، والقسوة في التعامل.
إن ابتعاد الناس عن تعاليم دينهم وهدي نبيهم عليه الصلاة والسلام، في التعامل والمعالجة لبعض الإشكالات، واللجوء إلى وسائل العنف والقوة، والجرأة على الفتيا، وتصنيف البشر وفق ما تقبله عقولهم أو ترفضه، قد خالفوا شرع الله، وسعوا في طريق الإفساد وتفريق المسلمين من خلال نشر شبهاتهم وزيغهم، ومحاولة خلق فتنة كبرى للتشكيك بالعلماء والدعاة وعدم الثقة بهم.
إن الكثير من الأمور تغيرت في مجتمعاتنا؛ بدءاً من التفكك الأسري في المنزل، والذي أصبح لدى البعض مقراً للأكل والشرب والنوم فقط، ولا دور فيه للأب والأم، في توجيه ومتابعة، وتربية الأبناء، على القيم والعادات الإسلامية والاجتماعية الفاضلة، منازل أسرية يسودها الفراغ التربوي والعاطفي، الذي حلت بدلاً منه ثقافة وقيم العمالة المنزلية الوافدة، والقنوات الفضائية ووسائل الإعلام الحديثة، من مختلف المشارب والمذاهب والثقافات والحريات. الكثير من الأسر تتهاون في تربية أبنائها ومتابعتهم وتوجيههم ومعرفة سلوكياتهم، وأين يذهبون ومن يجالسون وبالتالي يترعرعون على سلوكيات وأفعال وأفكار ضارة بهم وبمجتمعهم، لغياب القدوة الحسنة، ونتيجة لذلك، صار يوجد الموظف والتاجر والمقاول الذي تنقصه الأمانة والإخلاص، والصدق والولاء في المعاملة والعمل، وصار كثير من هؤلاء لا يبالي بواجبات العمل ومسؤولياته، مما جعل الكثير من مصالح الناس معطلة، وغير ذلك من القصور الواضح في كثير من الجوانب الخدماتية التي تحرص الدولة على توفيرها للمواطن، وهذا بسبب أنفسنا، وتخلينا عن مسؤولياتنا الدينية والأسرية والاجتماعية والعملية.
إن التمادي في مناهج فكرية وخطابية، تنطوي على التشدد والغلو والتطرف، له سلبيات عديدة، ومنها المسارعة في تكفير الآخرين، والنظرة السوداوية والتشاؤمية، لكل مناحي الحياة، والتحريض والتشويه، وهذا ما يجعلنا على يقين، بأهمية المراجعة في كل وقت وحين، لكي تصبح مسيرتنا واضحة وجلية وسليمة، وخالية من الأفكار المتطرفة التي تزعزع أمننا، وتربك خطانا، وتؤثر على سمعة ديننا وأوطاننا وشعوبنا تأثيراً سلبياً، وأيضاً نقطع الطريق من أمام المتربصين والحاقدين والحاسدين، الذين يتمنون زوال ما تتمتع به بلادنا من نعمة الأمن والأمان والسعة في الرزق، وهي من النعم التي يفتقدها الكثير من شعوب العالم.