المتبصر بأحوال المجتمع والمتفحّص له يجد أن هذا المجتمع انقسم إلى فصيليْنِ رئيسين، وبزغَ من كل فصيلٍ العديدُ من الجماعات. كلّ جماعة من هذين الفصيلين تدّعي أنها الحامي والمحامي عن المجتمع، فهي الدرع المتين والحرز المكين، والأمينة على المجتمع وعلى ثقافته وأموره الاجتماعية؛ حاضراً ومستقبلاً.
ثمّةَ في كل طرف مَن يجيّش جيوشه وأتباعه ضد الآخر لإسقاطه بضربةٍ تأتي عليه فتخرس صوته وتمحو أثره وتأثيره.
كلٌّ يدّعي وصلاً بليلى المجتمع فلا يدّخر جهداً في إبراز محاسنه وسكْب الضوء البراق علياً، وفي الوقت نفسه لا يكف عن نشر مساوئ ضديدِهِ الاجتماعي ويريق كمّاً وافراً من الضوء الأسود على أخطائه أو خطاياه.
والمراقب بحياد يتّضح له أن أحداً لا يمكن أن يحتكر الصواب والحق والفضيلة. كلٌّ له نصيبٌ من الصواب والخطأ.
إن أمر المجتمع وحياته لن يستقيما في ظل مثل هذه المناخات الصراعية والتربّص وتبييتِ سوءِ النية في كل فعلٍ أو قول يصدر من أحد الفصيلين اللذين يريدان الاستئثار بصورة ثابتة لتسيير المجتمع.
ينبغي لنا أن نعرف أن الاختلاف البشري واقعٌ منذ الأزل، وشاهدنا صوراً منه على مدار التاريخ الإنساني، ومنه تاريخنا الإسلامي اللامع في عهد الصحابة رضوان الله عليهم، وفي عهد صفوة التابعين، وما تلَى من تاريخنا الإسلامي العام أو الخاص في كل دولة إسلامية. الاختلاف من السنن الكونية مصداقاً لقوله تعالى {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}. لا يمكن لنا أن نوقفها أو ننكرها
أي مجتمع بمن فيه كالسفينة وركابها؛ يمضون في البحر حيث تتلاطم الأمواج وتثور الأعاصر، فإن كانوا جميعاً يداً واحدة؛ نجت سفينتهم ونجوا أجمعين، وإن اختلفوا لمن القيادة أو دفّة الرأي؛ غرقت بهم حتى لا يبقى منهم فردٌ واحد.
ونحن في هذا الوقت مثلهم تماماً..
إن اختلفنا وشققنا الصف، سيتمكن منا الأعداء، وسيدخلون علينا وبيننا بحججٍ وأعذار واهية بعناوين جاذبة ومؤثرة ولها رنينٌ عذْبٌ خلّاب في السمع والقلب، مثل: نُصرة المظلوم.. إقامة العدل.. المحافظة على الحقوق... وغيرها من العناوين التي لم يسفر عنها إلا هدْم المجتمعات وتمزيقها شرَّ ممزّق. فمات من مات وشُرِّد من شُرِّد. نعاين بكثيرٍ من الأسى تلك المجتمعات التي من حولنا والتي انطلتْ عليها تلك الأكاذيب، وهي تعيش ويلات تصديق هذه الأكاذيب وعقابيلها الوبيلة.
المستفيدون من الخارج هم من يمتطون قوماً، أو يعتلون فئة لمحاربة فئة أخرى، وفي حقيقة الأمر لا ينجرّ عن هذا الصنيع من الامتطاء والاعتلاء سوى المسارعة إلى الخراب والدمار والعودة إلى الخلف.
كيف لنا أن ننجو جميعاً وتنجو معنا سفينتنا، ونرسو عند شاطئ الأمان؟
هل نملك القدرة على ذلك؟
ألا يمكن لنا أن نتوافق؟
بقليلٍ من التروّي والتبصّر سنستطيع أن نتفق ونتوافق.