لقد حظي التعليم في المملكة باهتمام كبير ورعاية فائقة، منذ شَرَعَ الملك المؤسس عبد العزيز- يرحمه الله- التعليمَ سلاحًا في معاركه من أجل تحقيق الأمن والاستقرار في ربوع الوطن، وجَعَلَه طريقًا للبناء والتنمية وسبيلاً لسعادة الوطن والمواطن، وحققت مسيرة التعليم نجاحات وقفزات بكل المقاييس على مدى العقود الماضية، على يد قادة هذا الوطن حتى وصلت المسيرة إلى رعاية وقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - يحفظه الله- الذي سخَّر إمكانات الدولة لتحقيق نقلة نوعية حقيقية في التعليم، عبَّرت عنها رؤية المملكة (2030) التي تسعى ليكون تعليمنا أكثر فاعلية في ترسيخ القيم الإيجابية في شخصيات أبنائنا عن طريق تطوير المنظومة التعليمية والتربوية بجميع مكوناتها، وتمكين المدرسة بالتعاون مع الأسرة من تقوية نسيج المجتمع، «من خلال إكساب الطالب المعارف والمهارات والسلوكيات الحميدة، ليكون ذا شخصية مستقلة تتصف بروح المبادرة والمثابرة والقيادة، ولديها القدر الكافي من الوعي الذاتي والاجتماعي والثقافي»، كما أكدت تلك الرؤية على الاستثمار في التعليم والتدريب، وتأهيل المعلمين والقيادات التربوية، وتدريبهم وتطوير المناهج الدراسية، وتعزيز الجهود لتتواءم مخرجات المنظومة التعليمية مع احتياجات سوق العمل.
وبمثل هذه الروح التي تضمنتها وعبرت عنها الرؤية الثاقبة للمملكة تستمر وتنطلق مسيرة التعليم في تحقيق تطلعات الدولة في المزيد من التنمية والرخاء، حتى تقف في مصافّ الدول المتقدمة، وذلك بفضل الله ثم بالمتابعة الحثيثة من قبل قيادتنا والمسؤولين، لترجمة هذه الرؤية إلى برامج عمل، يشارك فيها القطاع الأهلي بالمملكة بدوره الوطني الذي يأتي امتدادًا للدور الكبير الذي يسجّله تاريخ نشأة التعليم وتطوّره على أرض هذا الوطن، حيث كان للجهود الأهلية المشكورة سَبْقها المعروف إلى افتتاح المدارس، ونشر التعليم في ربوع البلاد قبل أن نعرف التعليم النظامي، وكلُّنا يتذكر أنه عندما صدرت وثيقـــة سياسة التعليم بالمملكة سعت الدولة إلى تشجع التعليم الأهلي في كافة مراحله، وأخضعته لإشراف الجهات التعليمية المختصة فنيًّا وإداريًّا، حتى تضمن صحة اتجاه المدرسة وممارساتها التعليمية لتكون وفق مقتضيات الإسلام، وقد نصَّت سياسة التعليم في المملكة على مساعدة المدارس والمعاهد الأهلية على تحقيق أهداف التربية والتعليم من ناحية الإشراف والدعم الفني، ومراعاة الشروط اللازمة في إنشاء المدارس بحيث لا تقل عن مستوى مدارس الدولة، حتى يستمر التعليم الأهلي في أداء رسالته المنشودة.
والمتابع لتطوُّر حركة التعليم الأهلي في المملكة يمكن أن يقف وبكل سهولة على ذلك التطور الكبير الذي تشهده بعض مدارس التعليم الأهلي في بلادنا، ومن واقع خبراتي وبحكم عملي السابق في مواقع مختلفة من المسؤولية في وزارة المعارف (سابقا) التعليم، أقول وبكل ثقة: لقد قطع كثير من مدارس التعليم الأهلي المنتشرة في المملكة أشواطًا متقدمة في الأداء والعطاء، وأصبح العديد منها في مكانةٍ تجاوزت ما كان متوقعًا منها، أو مؤملاً فيها وصارت علامة بارزة على أن التعليم الأهلي سيظل قادرًا على التفرُّد والتميُّز في مجالات تطوير العملية التعليمية في بلادنا.
وهاهي مدارس ابن خلدون الأهلية تأتي نموذجًا في هذا الميدان، ففي خلال عقدٍ من الزمن - مرّ على إنشائها - استطاعت أن ترسِّخ مكانتها، وترفع شأنها، وتصبح نموذجًا يُحتذى به في الحقل التربوي، فقد أحاطها مؤسسوها بمناخ تربوي حافز على العطاء والتميز، وجمعوا لذلك خبرات تربوية وإدارية عديدة، وانطلقوا بها من رؤية واضحة محددة هدفها أن تصبح هذه المدارس « مؤسسة تعليمية أهلية ذات بيئة تربوية نوعية تقدم تعليماً متميزًا، ملتزمًا بقيم المجتمع، مستجيبًا لمستجدات العصر ومتطلباته» وأسسوا هذه الرؤية استنادًا على خبراتهم الميدانية التي بدت واضحة وجليَّة في شخص مؤسسها، رجل التربية والتعليم الدكتور عبد العزيز الثنيان، المعروف بباعه وخبراته في الحقل التربوي، ومن ذا الذي لا يتذكر بالشكر والثناء دوره في قيادة وإدارة منطقة الرياض التعليمية، في وقتٍ كانت في حاجة إلى مثله خبرة تربوية، وحنكة إدارية، ثم توالت الخبرات المتميزة من بعده في إدارة المنطقة، ممن يسجلهم تاريخ التعليم بمنطقة التعليم بالرياض في صفحات المثابرة والإخلاص والتميُّز، حتى أصبحت نجاحات تلك المنطقة قِصصًا تُحكى في مسيرة التعليم في المملكة وقد تجمع لمدارس ابن خلدون نخبة متميزة من تلك القيادات التربوية والمجتمعية التي تمكَّنت خلال فترة قصيرة من الزمن أن تسير على درب تحقيق أهدافها، فرَكزوا فكرهم وجهودهم على أن يكون لهذه المدارس بيئة تربوية نوعية، تجعل الطالب والطالبة في بؤرة الاهتمام، وتدور حولهم كافة الجهود المبذولة من أجل تنمية شخصياتهم بصورة متكاملة ومتوازنة، تحقيقًا لأهداف المدارس الساعية إلى تقديم تعليم ذي رسالة تتفق مع أصول هذا البلد وثقافته، من خلال برامج تربوية تعليمية متميزة، يتم تقديمها وفق أحدث المعايير والمواصفات العالمية.
ويقف من يقوم بزيارة لمدارس ابن خلدون الأهلية - وبكل سهولة - على صِدق التوجّه المقترن بالعمل، في تحقيق التميز في الحقل التعليمي، فقد أصبحت هذه المدارس مميزة وجاذبة، بمبانيها وتجهيزاتها لتتناسب مع طموحاتها في الأداء التعليمي، وحِرصها على تقديم خدماتها التعليمية بالجودة العالية التي تسعى نحوها، ولذلك فهي تتوازن فيما تقدمه من برامج ومواد إثرائية، لتتناول جميع الجوانب التي تهم البناء المتوازن للطلبة والطالبات معرفيًّا ووجدانيًا وسلوكيًّا، وتهتم في ذلك بالجوانب الدينية والثقافية والتربوية والتعليمية،ولذلك تولي برامجها عناية خاصة، واهتمامًا واضحًا باللغة العربية واللغة الإنجليزية، والرياضيات والعلوم، والحاسب الآلي، والمهارات الحياتية التي لا يستغني عنها الطلاب والطالبات في عالم اليوم. وكَم هو أمر محمودٌ ومشكور ما تقوم به المدارس لإتاحة الفرصة للطلاب على المشاركة في شؤون إدارة المدارس، فهي تستهدف من ذلك تنشئتهم على مبادئ الإدارة الصحيحة، وحب العمل والتعاون، وتعزيز الانتماء لديهم، بما يوفر مناخًا تربويًّا، تسوده روح الألفة، وأجواء الثقة بين الطلاب والمعلمين وإدارة المدارس، وهي من الأمور التي يجب أن نحرص عليها في تطوير العملية التعليمية، حتى يرتقي ويتفوَّق اهتمامنا بالسلوك الإيجابي لأبنائنا فوق سَعْيِنا لحشْو أذهانهم بالمعارف والمعلومات التي تيسّر لهم اليوم سبل الحصول عليها عبر الوسائل التقنية المعاصرة.
وكثيرة هي الجوانب التطويرية التي توليها مدارس ابن خلدون اهتمامها، فهي إلى جانب المباني المدرسية وتجهيزاتها المتميزة، تحرص على تهيئة الفرص لمساعدة الطلاب والطالبات على التعلم، وتقديم برامج أكاديمية ثرية متنوعة تهدف إلى تطوير أدائهم ومعلوماتهم ومهاراتهم، وتوفير نشاطات تربوية متعددة تراعي اختلاف القدرات الموجودة بين الطلاب، مع العناية الفائقة بالوقوف على المشكلات التحصيلية لديهم وتشخيصها مبكرًا، ليتمكَّن المختصون من وضع برامج وخطط علاجية مناسبة لها، مع العناية بمستوى أداء المعلمين والمعلمات، والاهتمام بالشراكة الاستراتيجية الحقيقية التي تربط بين المدارس والآباء، والأمهات بما يعود بالفائدة على فلذات الأكباد وتطوير العملية التعليمية التي تحرص المدارس على أدائها بكفاءة وتميز.
إن مثل هذا النموذج من المدارس، وغيره من المدارس المتميزة في المملكة في حاجة لاستنساخ المزيد منها، واستخلاص أسباب نجاحها لتكون أمام أنظار المسؤولين الباحثين عن تطوير التعليم، ليوفّروا عليهم عناء البحث في تجارب الآخرين خارج هذا الوطن، فالمملكة مليئة بالنماذج الناجحة المضيئة، فهل آن الأوان للبحث عنها في الداخل بدلاً من الاغتراب خارج حدود الوطن؟
- وكيل الوزارة، بوزارة الثقافة والإعلام، سابقًا