عبدالعزيز السماري
من الخطورة أن نتعامل مع هذا الزمن بعقلية القرون القديمة؛ فالوعي يتقدم بمفاهيم متجددة في ظل انحسار العقل الديني وصعود الوعي الإنساني في مجتمع كان يحكمه الانغلاق والتقليد. وإذا لم نواكب التطور في الوعي الاجتماعي سندخل النفق التاريخي في الصراع بين المنطق والتسلط.
كان إعلان الرؤية الوطنية للمستقبل إعلانًا مدويًا للتفكير بصوت عال؛ فقد كانت العادة أن يكون الخطاب غير مباشر، لكن الزمن اختلف، وتحول الخطاب إلى مباشر وواضح، وبدون حواجز أو سواتر؛ وهو ما يعني دخول زمن جديد بكل ما تعنيه الكلمة، أو بداية تشكُّل وعي جديد.
لقد أحدث إعلان الرؤية انفجارًا في الوعي لا سابق له، وكان توهجه تلك الأسئلة التي لا تنتهي من قِبل المجتمع، وظهر ذلك في وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما قصر المسافة، وأزال الحواجز بين خطاب الدولة والمواطنين.
الطرح الصريح والشفاف لخطاب الرؤية حول ضرورة رفع الدعم عن حياة المواطن أيقظ الإنسان في داخل المجتمع، وأخرجه من بياته للتعامل مع الواقع الجديد بالعمل والاجتهاد والحرص على الكسب المادي من أجل مواكبة العصر الجديد.
لن تكون عملية فطام المجتمع من عوائد النفط بالطريق السهل، وسيعاني الجيل الجديد من آثار الفطام، ومن أعراض إدمان البطالة المقنعة، وسيواجه تحدياته بنفسه لأول مرة منذ قدوم النفط إلى حياة المواطن.
قد يكون ذلك إيجابيًّا في نواحٍ عديدة، منها أن يطور مهاراته العملية من أجل التكيف مع الواقع الجديد. وحتمًا ستكون رؤيته للتعليم مختلفة؛ فالتعليم الجيد هو الذي يؤهله لعمل أفضل، وتكون مسؤولية الحكومة توفير بيئة العمل، ورفع معدل الوظائف الجديدة.
وسيكون لخروج النفط من حياة الاقتصاد الداخلي مسؤولية أكبر على العمل الحكومي؛ وهو ما يعني ضرورة محاسبة المسؤول عن إخفاقاته، ومحاسبته عن الفشل في خلق وظائف جديدة، وعن ازدياد نسب البطالة.
سيكون الوعي بعد زوال سكرة النفط مختلفًا، وعلى الجميع أن يكون مستعدًّا لهذه المرحلة، التي ستحكمها مطالب جديدة، أهمها زيادة الشفافية وتطوير أنظمة الأداء الحكومي. ولو أنجزت الرؤية مهام تطوير العمل الحكومي حسب منطق العصر، ومحاسبة إخفاقاتها في توفير فرص العمل، ورفع مستوى كفاءة التعليم الجامعي والفني، ستحقق الرؤية الوطنية أهدافها في زمن قياسي.
القلق أن لا يكون قرار رفع الدعم الحكومي مصحوبًا بالتطور في الأداء الحكومي، وهو سيكون بمنزلة المأزق في منتصف الطريق، وستكون آثاره خروج الوعي الجديد عن مساره، وربما تخرج أجيال جديدة بأسئلة جديدة..
القلق أن تفشل الرؤية إذا اخترقتها الاستثناءات الاجتماعية تحت أي ظرف أو خطاب؛ وهو ما يعني خسارة دعم الإنسان لها، بالرغم من ثقتي الكاملة أن الرؤية الوطنية لديها المقدرة والإصرار على تجاوز الرؤى القاصرة حولها، وستكون بمنزلة البوابة التي يخرج منها المواطن إلى زمن آخر لا تحكمه الألوان والطبقات.
سيكون إيجابيًّا أن نفكر في الاقتصاد الوطني من خلال نظام الشركة المساهمة؛ فقد أثبتت أنظمة الحوكمة في الاقتصاد جودتها في إخراج الشركات من مأزق المصالح الشخصية الضيقة إلى حيث الشفافية والمصداقية.
في نهاية الأمر لن يختلف اثنان على حاجة الوطن إلى رؤية وطنية، تنقل البلاد من مرحلة الاقتصاد الريعي إلى الإنتاج.. وسنقف معها مهما كلف الأمر، ولكن على الرؤية أن تكون مستعدة لظاهرة الجدل التي تتقدم دومًا تطبيق مراحلها، وأن تكون جاهزة لمراجعة بعض قراراتها إذا ثبت خطأ توقيتها أو خطؤها. والله المستعان.