د. محمد عبدالله العوين
هل الامتحان الذي يدك نفسيات أبنائنا هذه الأيام دكاً تحدٍ وتعجيز وبحث عما يعيق؟!
إلى ماذا يهدف الأستاذ من وضع أسئلته حين يتعمد أن تكون طويلة أو مغلقة ملغزة تائهة لا حدود لها ولا بحر؟!
إلى ماذا يهدف هذا الأستاذ المتعالم حين يتعمد أن يكون جباراً متسلطاً بوضع أسئلة محيرة طويلة غير واضحة أو لا إجابة لها في المنهج أو الكتاب المقرر؟!
نسمع عن مثل هذا الأستاذ المتعالي كلاماً لا يليق بمن يتحلى بخلق طالب العلم وفاتح ثغرات النور للأجيال؛ كأن يقول: أتحدى أن ينجح عندي اليوم أكثر من خمسة طلاب من بين ثلاثين أو أربعين!
أو: وضعت أسئلة لن يجيب عليها حتى الأساتذة المتخصصون أنفسهم!
تذكرت ابني الذي يدرس في إحدى الجامعات الأمريكية وهو يهاتفني شاكياً تسلط أحد أساتذته حين وضع أسئلة في علم «الحاسب الآلي» لم يجد لها الأساتذة المتخصصون إجابة حتى بعد الرجوع إلى الكتب والأبحاث المتخصصة!
وحار الابن مع زملائه في البحث عن مخرج ولجؤوا إلى الأستاذ نفسه يرجون منه الرحمة والشفقة أو فتح كوة ولو صغيرة يمكنهم من خلالها الوصول إلى الإجابة؛ ولكن دون جدوى!
ووقتها تذكرت بعض من أعرف أو من مر علي من «المتعالمين» المستكبرين على طلابهم، ودعوت الله أن يجنب أبناءنا أمثال هؤلاء الذين يقفون حجر عثرة في طريق مستقبلهم العلمي والعملي، وربما زرعوا في نفوسهم نتيجة لما وقر في وجداناتهم بأن الأستاذ المتعالم يتعمد إخفاقهم وإظهار عجزهم أن الجامعة ليست كما صورتها أسرهم لهم وكما يرسمها المجتمع بأنها «مثالية» في التعامل والأخذ بيد الطالب إلى ما ينفعه ويفتح له أبواب العلم والحياة؛ لا ما يغلق أمامه سبل مواصلة الدرس ويثير في نفسه الإحباط وعدم الجدوى حين يبذل جهداً فائقاً في المذاكرة والتحصيل والانضباط في حضور المحاضرات؛ ولكنه لا يجد الإجابة الشافية التي ترضي الأستاذ المتعالم؛ لعدم وجود الإجابة في مرجع واضح أو لخروج الأسئلة عن المنهج المقرر.
إن فلسفتي في الاختبار تتكئ على مفهوم أنه قياس معتدل للمستويات الثلاثة: المتفوق والمتوسط والضعيف، والغاية منه معرفة مدى تحصيل الطالب من المعرفة، ثم مدى ما بذله من اهتمام وجهد، وتتحقق هذه الأهداف بأسئلة واضحة وشاملة وسهلة، تعتمد على العناوين الرئيسة في المفردات أو المراجع، وتنهض الإجابة على سرد المعلومات الصحيحة بدقة واختصار ودون شرح ولا تطويل؛ لأن الغاية لا تكمن في استظهار المنهج وحفظه ثم صبه كاملاً في ورقات الإجابة، إن هذا ليس هدفاً، لأنه سيرهق الطالب والأستاذ معاً، وستنقلب الأهداف من الفهم والاستيعاب إلى النسخ والحفظ واللصق على ورقات الإجابة.
السؤال الواضح المختصر يستدعي أيضاً إجابة صحيحة واضحة مختصرة، وبهذه الإجابة يستحق الطالب الدرجة الكاملة؛ لأن قياس معرفته تم بنجاح من خلال إجابته المعلوماتية الصحيحة المركزة.
ومن المهم أيضاً أن يتوقف الأستاذ مع طلابه قبل الامتحان وقفات مفيدة ليشير لهم إلى ما يجب عليهم أن يلموا به إلماماً جيداً؛ لأهميته، وهو بهذا يساعدهم على النجاح وعدم الإخفاق، وعلى استيعاب العلم المقرر لهم أن يدرسوه، وهو الهدف الأول قبل الامتحان وبعده.
وفي غمرة الامتحانات ورعبها والمخاوف النفسية الطاغية ينسى كثير من الطلاب وربما قبلهم بعض أساتذتهم الغاية النبيلة التي من أجلها افتتحت قاعات الدرس؛ وهي «تحصيل العلم» ثم بناء الشخصية العلمية الناضجة التي تستطيع هضم ما تعلمته وإعادة صياغته كرؤى مستنيرة واعية في الحياة.
إننا حين ننتج في كل عام نسخاً مكررة معادة لا جديد فيها من طلابنا لن نحقق من خلال هذا الاستنساخ البليد شيئًا يذكر، وأن يسعى بعض الأساتذة إلى إخراج طبعات مكررة منه ومن أفكاره أو حتى مما يعلمه دون أن يخلق جواً حراً من عواصف الأسئلة الحائرة الباحثة عن إجابات؛ لن نكون أبداً أجيالاً جديدة مختلفة قادرة على الإبداع والإضافة!.