عبدالله العجلان
في الأول من ديسمبر 2015 م كتبتُ هنا تحت عنوان (اتحاد كرة أم كفيل غارم؟!) عن التسهيلات التي قدمتها الرئاسة العامة لرعاية الشباب آنذاك بمنح نادي الاتحاد قرضًا بنكيًّا بضمان من اتحاد الكرة بدفع مديونية القرض من مستحقاته من النقل التلفزيوني، وقلتُ وقتها إن هذا الإجراء سيدفع أندية أخرى لاتخاذ الخطوة نفسها، وهذا ما حصل من أندية الهلال والنصر والشباب -على ما أظن-، وذكرت أنه سيتحول إلى مجرد مسكن وقتي، لن يحل مشاكل الأندية بقدر ما يزيدها تعقيدًا، وسيغري الأندية الفوضوية في إنفاقها على ممارسة المزيد من البذخ والصرف غير المقنن، وسيورطها مستقبلاً، وينقلب عليها وعلى الإدارات اللاحقة إلى عبء ثقيل مربك، يصعب عليها التعامل معه. الأخطر من هذا أن اتحاد الكرة سيكون مجبرًا على الموافقة لبقية الأندية؛ وبالتالي سيترك عمله الأهم ودوره الأساسي، ويتفرغ للقيام بدور (الكفيل الغارم) للأندية المفلسة. وختمت المقال بالقول: بدلاً من هذه الخطوة الارتجالية كان من المفترض على الرئاسة العامة لرعاية الشباب أن تعمل على إقرار أنظمة، تراقب وتضبط الأداء المالي للأندية، وتلزمها بتطبيقها، وعندها ستكون (أي الرئاسة) قد ساهمت في تنظيم العمل الإداري والمالي في الأندية، وأنقذتها من الدخول في دوامة الديون المتراكمة والمعطلة للتدابير الأخرى الأكثر أهمية، وكذلك تبعدها عن القضايا والشكاوى في الجهات المعنية، سواء هنا محليًّا أو في الاتحاد الدولي (الفيفا)..!
ما حدث في الاتحاد والشباب، وما سوف يحدث لاحقًا لأندية أخرى من مشاكل مالية داخلية وخارجية، يؤكد صحة ما توقعته وحذرت منه. الأسوأ من هذا أن الكثيرين أصبحوا يحمِّلون الهيئة واتحاد الكرة مسؤولية ما جرى للاتحاد والشباب بسبب ما سبق أن قلته من أنه سيجعل الأندية غير مهتمة بقضاياها، وهذا بالضبط ما رأيناه من إدارتي الناديين، وقريبًا من أندية أخرى. زد على ذلك موقف لجنة الاحتراف المتساهل، وعدم تطبيقها قراراتها فيما يتعلق بالسماح بتسجيل لاعبين رغم وجود مستحقات ومطالبات وديون ضخمة على بعض الأندية، في وقت كان من المفترض عليها ــ أي لجنة الاحتراف ــ أن تكون جهة رقابية حازمة حافظة لحقوق جميع الأطراف، معنية أكثر من غيرها بضبط تعاقدات الأندية وإلزامها بسداد ما عليها من ديون للاعبين وكذلك للأندية الأخرى قبل موافقتها على تسجيل أي لاعب في الفترتين الصيفية والشتوية، ليس فقط لإعطاء كل ذي حق حقه بل لحماية النادي نفسه من التمادي في إنفاقه؛ وبالتالي الحد من مديونياته، وتنظيم مصروفاته، وبالذات عقود اللاعبين السعوديين وغير السعوديين، وتقنينها؛ لتتماشى مع إيراداته..
ما قلناه فيما مضى للرئاسة العامة لرعاية الشباب وللاتحاد السابق نكرره اليوم لهيئة الرياضة وللاتحاد الحالي، وللجنة الاحتراف تحديدًا. نتوجه لهم بكل الحب والنصح ونقول: أقِرُّوا الأنظمة الصارمة، طبِّقوها على الجميع بلا تمييز ولا تفضيل اسم على آخر، فعِّلوا الجمعيات العمومية للأندية، ليس مطلوبًا منكم أن تكونوا أوصياء على الأندية أو أن تتحملوا أخطاء إداراتها، لا تقحموا مسؤولياتكم ومهام عملكم في قضايا ليست من اختصاصكم، اتركوهم يواجهون مصير فشلهم بأنفسهم، أما أنتم فاهتموا وتفرغوا لإدارة شؤونكم التنظيمية والرقابية والإشرافية، والكيل بمكيال النزاهة والعدل والمساواة بين الجميع..
تعصَّب لكن لا تكذب!
صرنا في الآونة الأخيرة لا نسمع ونقرأ آراء متعصبة لأندية وأشخاص على حساب آخرين فحسب، وإنما تطور الأمر إلى حد فبركة الأخبار، واختلاق الأحداث، واختراع القصص والروايات لتدعيم وتعزيز آراء المتشنجين المتأزمين؛ كي تتوافق مع قناعاتهم وتوجهاتهم وأهوائهم.. فلم يعد غريبًا ولا مستغربًا أن يظهر أحدهم عبر برنامج تلفزيوني، وكأنه على خشبة مسرح يؤدي دور البطل المغوار، المدافع عن الحق، والصادح بالحقيقة، ولكن بقصة من نسج خياله، هو من يختار بدايتها وتفاصيلها وأسرارها، ومَن المخطئ ومَن المصيب، والمذنب والبريء..
حينما تقول رأيك الشخصي فلا يحق لأحد مصادرته، مثلما يحق للآخر الاعتراض عليه في حدود الاختلاف والآداب والأخلاقيات المهنية، لكن أن تأتي بخبر كاذب أو معلومة خاطئة، أو تروي حادثة لا وجود لها لمجرد الانتصار لرأيك وقناعاتك، أو تحقيق بطولة رديئة مبتذلة مشوهة؛ ليحتفي بك ويصفق لك الرعاع، فهذا يعني للمتلقي العاقل المحترم أنك بلغت مرحلة اليأس والإفلاس، وتلاعبت بمصداقيتك، وتخليت عن أبسط مبادئ مهنتك. الأكثر إشكالية في مثل هذه المواقف أن يتحول المذيع إلى طرطور إمعة، يسمح بتمرير هذه الأكاذيب والمغالطات دون رد منه أو تعليق..
كثيرون كشفتهم البرامج الغوغائية على حقيقتهم، وأسقطت الأقنعة عن وجوههم وزيف حيادهم ومثاليتهم، وباتوا أضحوكة للمشاهدين، ونماذج للتندر بتقليعاتهم والاستهزاء بتناقضاتهم..!