سمر المقرن
يسألني أحد الزملاء والذي يعيش خارج السعودية: كيف لا زلتِ متماسكة بالبقاء في الرياض؟ قلت: تصالحت مع نفسي ومعها. لا أنكر أنني في سنوات سابقة كنت أتمنى أن أعيش في الخارج، لكنها كانت مجرّد أمنيات لا يُمكن أن تصل إلى مرحلة التنفيذ لارتباطي بالرياض، بكل ما فيها، بأمي وأبي وهم قطعة منها، لذا بدلاً من أن أعبئ نفسي بالطاقة السلبية تجاه المكان بالتذمّر، اخترت أن أتصالح مع ذاتي، تغيرت نظرتي للحياة وللرياض ولكل شيء من حولي بعد عقد الصلح هذا، بدأت أظهر حبي للرياض وأعبر عنه فأظهرت حبها لي وبدأت تُعبر عنه.
التصالح مع الذات فكرة جميلة، تحتاج إلى خطوات عديدة أهمها هو الاعتراف بعدم وجود صلح مع الذات، وهذا ما يجعل -بعضهم- يشعرون بالتعاسة والملل والضجر والطفش من كل شيء حولهم، وكأن مفاتيح السعادة في الخارج، مع أن مفتاح السعادة الوحيد هو من ذات الإنسان نفسه، من داخله، من قناعاته واختياراته.
التصالح مع الذات لا يقبل الكلام الإنشائي، ولا العبارات "الممطوطة" فالانسجام مع الذات هو ما يبحث على الانسجام مع كل الأشياء من حولنا، مع الأماكن والشوارع والأرصفة، مع السيئات قبل الإيجابيات، الشعور بوجود سلبيات قابلة للتغيير والتعديل، لا الشعور بوجود سلبيات لا تقبل التغيير ولا التعديل، وهناك فرق كبير بين الحالتين كلها يتحكم فيها التصالح مع الذات، والذي يؤدي إلى التسامح مع كل الأخطاء، ويمنح الإنسان التمتّع بحياة طبيعية دون تكلّف، ولا زيف أكثر ما يؤلم صاحبه، ولا بحث في شؤون الآخرين ومراقبة الناس والنظر لهم بعين القادم من المدينة الفاضلة.
الحياة قصيرة.. وجميلة جداً. تستحق أن نعيشها بالحد الأعلى من السعادة، وأن لا نؤجل أدوات السعادة وأولها التصالح مع الذات، الذي يخلق الهدوء النفسي التام والسكينة من الداخل، وهذه مرحلة عالية من حب الحياة وأيامها التي تستحق أن نعيشها بجمال وراحة واستقرار داخلي، يمنح للإنسان معنى التعايش مع الذات، والرضا عن النفس.
التصالح مع الذات هو حالة توازن تمنح الإنسان القدرة على النظر إلى الأشياء من بعيد، والنظرة لهذه الأشياء تتفاوت من نفس لأخرى بقدر تصالحها مع ذاتها.