محمد أبا الخيل
يقول (إيان التمان) وهو مؤلف ومتحدث مشهور في مجال التسويق و المبيعات «إن أسوأ الأسئلة التي يسألها البائع للمشتري هي تلك مثل (بكم كنت تحصل على ذلك؟) أو (كم ميزانيتك لشراء ذلك؟)» يقول « هذه الأسئلة تجعل حوار المشتري والبائع حول السعر وتقصي أي اعتبار آخر»، وهذا في نظري أنا، لأن البائع حمل عبء البيع ولم يوضع في يده أي ميزة سوى القدرة على خصم السعر بطريقة تفاوضية مضنية تعتمد على المهارة اللفظية وتحدي المنافسه، والسبب عائد لثقافة المؤسسة التجارية وتبنيها إستراتيجية تقوم على المنافسة السعرية، وكما يقال في التراث التجاري الحضرمي «الربح في الشراء وليس في البيع» فإن هذا المثل يكود البرتوكول الأساسي الذي يقوم عليه القطاع الخاص في المملكة في ممارسة التجارة, فمعظم المؤسسات والشركات في مختلف النشاطات التجارية تصرف جل اهتمامها في خفض التكاليف لتحقق ميزة تنافسية سعرية ويكون ضحية ذلك الخفض كل شيء آخر من خدمات وإهتمام في العميل وأحياناً الأخلاق الحميدة للعمل التجاري السليم.
التركيز على خفض التكاليف في المؤسسات السعودية قاد إلى ممارسات غير عادلة في العملية التبادلية بين المشتري والبائع، فظهر الغش في المواصفات النوعية بصورة فجة، وظهر التزوير في المواصفات الكمية بصورة ملحوظة و ظهرت الرشوة، فأثرى كثير من الموظفين ليس من عوائد وظائفهم بل من تنازلهم عن حقوق موظِفِيهم، وفوق هذا أصبح هناك مخالفات لنظام العمل ظاهرة بصورة لا تخطئها العين الفاحصة، فالعامل المستقدم للعمل (8) ساعات يومية أصبح يعمل (16) في اليوم شاغلاً وظيفتين بدلاً من واحدة، وبات تركيز أصحاب الأعمال منصب على خفض مخصص تكلفة ساعة العمل الإنتاجية من جميع النواحي ابتداء من اتفاقيات نقل العامل من بلد الاستقدام مروراً بتوفير مقرات سكن لا تليق بعضها بآدمية العمال ووسائل نقل وإطعام رخيصة، وكذلك إهمال في متطلبات السلامة والأمن المهنية.
هذا الوضع لم يقتصر على شركات المقاولات الإنشائية أو شركات التشغيل والصيانة والنظافة، بل يتعدى لشركات ومؤسسات البيع بالجملة والتفريد سواء كان ذلك للبضائع أو للخدمات.
التركيز على خفض التكاليف أصبح هو الوسيلة الوحيدة للمنافسة في سوق لا يحكمه سوى السعر، حتى في العقود الحكومية بات التركيز على الخفض المستمر للعقود والضغط على الموردين والمتعهدين في تخفيض أسعارهم كشرط لإستمرار العقود أو تجديدها، فأصبح الخيار المتاح للمورد أو المتعهد هو خفض التكاليف بأي صورة ممكنة دون النظر في تبعاتها النظامية والأخلاقية، في كل الأحوال كان العنصر البشري في التكلفة هو أكثر من يتحمل ذلك التجاوز النظامي والأخلاقي.
السعودة كمسؤولية حكومية تعتمد تيسير توفر الوظائف للمواطن السعودي ليعمل بكرامة وجدوى تيسر له حياة مناسبة لتأسيس أسرة تعيش في سكن مناسب وتعتاش بغذاء صحي ومناسب و يتمتع أفرادها بصحة عامة جيدة وفرصة للتعليم والتميز التحصيلي في الحياة، إذا كانت هذه هي المسؤولية، فلن يكون بالإمكان القيام بها وتحقيق متطلباتها في واقع العمل التجاري الذي يحكم سوق العمل في المملكة اليوم، مهما مارست وزارة العمل والتنمية الاجتماعية من ضغوط وفرضت غرامات وأقرت رسوما وتبنت قرارات لسعودة أي قطاع، سيكون هناك دائماً وسيلة للالتفاف على ذلك، فلم يبقَ في جعبة البيروقراطية الحكومية حيلة لم تجرب، وطالما بقي الواقع الذي خلق هذه المشكلة دون تغيير فلن يتغير واقع السعودة.
هذا المقال لا يقدم حلا للمشكلة ولم يكن الهدف منه ذلك، ولكن الهدف هو التنبيه إلى أن أي حل لمعضلة السعودة والقضاء على البطالة لا يعتمد على تحول جذري في معطيات المنافسة التجارية، وأهم تلك المعطيات هو تكلفة العنصر البشري فلن يتغير واقع البطالة. بل إنها ستتنامى بطريقة يصعب حلها في المستقبل، لابد من تحول جذري في علاقة صاحب العمل بالعامل، ولابد من تحديد ساعات العمل للعمالة المستقدمة بحيث لا تزيد عن (8) ساعات يومياً وترك الفائض من الحاجة للعمل متيسراً للمواطن السعودي، ولابد من تغيير جذري في سلطة صاحب العمل على العامل المستقدم بحيث لا يمكن استغلاله وتشغيله بساعات عمل أطول من عقد العمل وتأخير مستحقاته، بما في ذلك عدم جواز تنازل العامل عن مستحقات نظامية للحصول على نقل كفالة، بل يجب أن تخضع عمليات نقل الكفالة لدراسة كل حالة، ويضاف رسم لدراسة الحالة بغض النظر عن نتيجة الدراسة، وتقييم جدوى تنفيذها أو إعادة العامل لبلده الأصلي.