عبدالعزيز السماري
يبدو أننا نعاني من تطبيقات المبدأ التقليدي الشهير أن تبدأ متأخراً، خير من ألا تبدأ أبداً، فالتأني تحول إلى سمة سلبية مشتركة في تأخير إطلاق المبادرات المتقدمة أو الذكية، وأصبح مبدأ التأني والتأخير غير المبرر يكلفنا مادياً الكثير، وليس كما يُقال كل تأخيرة فيها خيرة..
كان منها على سبيل المثال التأخر كثيراً في اعتماد القطارات كوسيلة النقل بين المناطق المترامية الأطراف، وتم تأخيرها لحجة عدم جدواها، وكان الثمن غالياً، وأصبحنا الآن نسابق الزمن للانتهاء من بعض مشاريعها الأساسية.
تأخرنا كثيراً في إصلاح التعليم ونشر التعليم الجامعي المتخصص في مختلف أنحاء البلاد، وكنا على مقربة من سيطرة وباء الأمية المعرفية على المجتمع، وكان من علاماتها انتشار التعليم غير المنهجي، وانتقال الشباب إلى الدول المجاورة لإكمال مسيرتهم التعليمية، وكان نتاجها انتشار الأفكار المعلبة والتطرف.
تأخرنا كثيراً في البحث عن حلول بديلة عن اقتصاد النفط الريعي، الذي يشكل أكثر من 90 % من الدخل الوطني، وكان الحل المتأخر أن نسارع في فرض مبادرات متزامنة مع عدم وجود فرص وظيفية حقيقية في القطاع الخاص، ترفع من إنتاجيته ومن دخله المالي.
كان آخر البدايات المتأخرة جداً استخدامات الطاقة الشمسية في المنازل، واعتماد العداد الذكي ذي الاتجاهين، الذي يحول المجتمع إلى منتج للطاقة بدلاً من مستهلك لها فقط، وهي مبادرة تقدمت كثيراً في دول العالم، وتم تطبيقها في دول مجاورة وآسيوية مثل الأردن والمغرب وسريلانكا، وتحظى بالتشجيع من خلال الدعم المادي لتطبيقاتها في الدول الغربية.
منذ عامين وشركة الكهرباء السعودية تتحدث عن تركيب العداد الذكي للمواطنين في تصريحاتها الإعلامية، لكن لم نر شيئاً على أرض الواقع، ولا نعلم ما مدى ذكاء هذا العداد، وهل سيكون ذا اتجاهين، أي يسجل ما ينتجه المنزل من طاقة بديلة، وما يستهلكه من طاقة كهربائية، واعتمادهما في فاتورة المنزل؟
على الرغم من التقدم المذهل في مجال إنتاج الكهرباء من خلال الطاقات البديلة ما زالت المبادرات الوطنية تحكمها الاجتهادات الشخصية في السوق العشوائية، ولا توجد إلى اليوم مبادرة حكومية لدعم تحول المنازل إلى منتجين ومستخدمين للطاقة الشمسية، كما يحصل في مختلف دول العالم، وذلك لتخفيف استهلاك النفط محلياً بأقل الأسعار..
كان آخر المبادرات غير الذكية، ما يروج له البعض من أن الصناعة ليس خياراً وطنياً، وما يصاحب هذا الخيار الضروري من تردد وتأخير غير مبرر، وإذا كانت الصناعة بمختلف أوجهها المتطورة ليس خياراً وطنياً، فما هو إذن الخيار البديل لدولة تعاني من الانفجار السكاني؟ هل هي الزراعة في صحراء الجفاف، أم طيبة الذكر السياحة!
نحتاج أكثر من أي وقت مضى للاعتماد على القدرات الإدارية الذكية، وذلك لأن المبادرات الذكية في التنمية لا يمكن أن تخرج من إدارات غير متخصصة ومصابة بمتلازمة التأني والتأخير، ولو حصرنا أكثر المديرين عمراً في مناصبهم محلياً، لوجدناهم أولئك الذين يجيدون سمات الصمت والسكون الذي قد يصل في بعض الأحيان إلى درجة الشلل التام..