«الجزيرة» - سهيلة طيبي:
قام فريق صحيفة «الجزيرة» بزيارة مدينة كالياري الواقعة في جزيرة سردينيا الإيطالية، بغرض متابعة ما أقدمت عليه مدرسة خاصة تديرها راهبات بتخصيص مراحيض منفصلة لأطفال لاجئين قادمين من مصر والمغرب وإثيوبيا والصومال، وللاستفسار عن أسباب قيام المدرسة بذلك قمنا باستجواب بعض أولياء الأمور والإدارة المعنية، علما بأن الأطفال مهاجرون وصلوا إلى إيطاليا دون ذويهم وأُجبروا على ارتياد مراحيض منفصلة عن تلك المستخدمة من قِبل باقي تلاميذ المدرسة.
سألنا بعض أولياء الأطفال ممن التقينا بهم أمام المدرسة، أخبرتنا السيدة فرانشيسكا والدة الطفلة غابرييلا أنها لا تقبل وجود أطفال قادمين من بلد آخر من وراء البحار رفقة ابنتها، وتضيف قائلة إنها مستاءة مع باقي الأولياء من قبول الإدارة أطفالاً مهاجرين في المدرسة دون استشارة مجلس الأولياء. وردا على سؤالنا لها عن سبب رفضهم القاطع تواجد أطفال أجانب وإجبار إدارة المدرسة على تخصيص مراحيض على حدة خاصة بهؤلاء القادمين، أخبرتنا أن ذلك ليس بدافع العنصرية أو الرغبة في الإقصاء ولكن مصلحة أبنائهم تقتضي ذلك، وأنهم اختاروا مدرسة خاصة حتى يجد أبناؤهم الراحة والرعاية الصحية اللازمة. وحسب ما تقول الأم تيريزا والدة الطفلة صوفيا «يكمن المشكل في قدوم هؤلاء الأطفال عن طريق الهجرة غير الشرعية، ومجيئهم في مراكب تخلو من كافة وسائل النظافة والوقاية وربما يحمل هؤلاء أمراضا معدية». فيما تشير مارتينا والدة الطفلة جوليا أن السبب يتمثل في مقدم هؤلاء الأطفال من بلدان تنتشر فيها الأوبئة والأمراض المعدية، خاصة أنه تناهى إلى أسماعنا -مؤخرا- انتشار أمراض مثل زيكو القاتل وفقدان المناعة المكتسبة والملاريا وغيرها. وأفادت السيدة جوليانا، أم الطفلة فاليريا، أنها احتجت بمنع أبنائها من ارتياد المدرسة للضغط على الإدارة، حيث تقول إن إتيانها هذا السلوك هي وأمهات أخريات بقصد الضغط على الإدارة، وإن أبت المدرسة طرد الأطفال اللاجئين والاستجابة لمطالبهم فإنها أقدمت كخطوة أولى على تخصيص مراحيض خاصة، وهكذا تم قبول عودة الأطفال.
من جانب آخر، قابلنا والد البنت فاطمة الزهراء وهو مهاجر من المغرب، أكد لنا وبكل بساطة أنه لا يوافق هذا الإجراء ويعتبره قاسيا تجاه هؤلاء القاصرين اللاجئين، وبحسب ما أخبرته به ابنته الصغيرة فإن الأطفال الأجانب في الأيام الأولى لمقدمهم كانوا منبسطين للأجواء الجديدة، يمرحون مع كل التلاميذ إلا أنه وبسبب ضغط الأهالي أثيرت بعض القلائل.
ويقول والد الطفلة فاطمة الزهراء: إن هؤلاء الأطفال يعانون من العزلة، لكن أعترف أن إدارة المدرسة تحاول التعامل معهم برحمة وشفقة.
كما أعربت السيدة ماريا أم الطفل لوكا عن استيائها من إقدام بعض الأولياء على ذلك السلوك الذي لا يمت بصلة إلى القيم الإنسانية، وحسب رأيها بوصفهم أولياء كان من المفترض أن يساهموا في تعزيز قيم التضامن وتحسيس الأطفال اللاجئين أنهم بين ذويهم وأهلهم. ونظرا للمواقف المتباينة لأولياء الأمور اتصلنا بإدارة المدرسة في الشأن، إلا أنها أبت مقابلتنا، وبعد إلحاح من فريقنا قبلت التعليق على الموضوع عن طريق الهاتف، وأخبرتنا مسؤولة -فضلت عدم ذكر اسمها- أن الإدارة بإحضارها هؤلاء الأطفال إلى المدرسة رغبةً منها في إلحاقهم بالدراسة، وتقول إن تخصيص مراحيض منفصلة لأطفال لاجئين ليس سوى تدبير احترازي، وإن كان الموقف محرجا كون المدرسة خاصة وتحت رعاية الراهبات فنحن نمثل الديانة المسيحية، والمفروض أن يتساوى الأطفال في ذلك، وقيامنا بهذا الإجراء -كما تذكر الراهبة- أقل ضررا من طردهم. وبسؤالنا عن العزلة التي يعيشها الأطفال اللاجئون وعن ضرورة إيجاد مدرسة أخرى تؤويهم، يجدون فيها أجواء ملائمة، أخبرتنا قائلة: إنهم في تواصل مع المرشدة الاجتماعية الآنسة جوليانا لإيجاد حل للمسألة، التي أكدت أن الحالة الصحية للأطفال لا تشكل خطرا على باقي التلاميذ، وأنهم لا يعانون أي مرض هذا وقد قدّموا للمدرسة شهادات طبية تثبت سلامة هؤلاء الأطفال.