زكية إبراهيم الحجي
كان السلام ولا يزال حلماً للبشرية جمعاء منذ عصور عديدة.. ويبدو أن حلم السلام الذي تنشده البشرية حلمٌ عصي على التحقيق.. فمنذ الأزل والبشرية تعاني من ويلات الحروب والصراعات والعنف والإرهاب وما زالت مستمرة دون بارقة أمل تشير إلى أن حمامة السلام سترفرف بأمان على عالم أنهكته حروب وصراعات.. بل بِتنا نشهد في عصرنا الحالي تزايُّداً عظيماً في معدلات الصراع والعنف بجميع أشكاله.
وبالعودة إلى أدبيات ومدونات رواة التاريخ العالمي بشكل عام نجدها تزخر بما لاقته البشرية من مآسٍ وويلات حروب وإبادة جماعية هي من صنع البشر أنفسهم بحق أنفسهم.. ولن نجانب الحقيقة عندما نذكر بأن تاريخ العرب أيضاً وكغيره من الأمم عانى وما زال يعاني من غياب السلام والاستقرار في ربوعه.. فقصص الثأر القبلية والنزاعات الدامية والحروب الشرسة والخلاف والشقاق النازفة التي أهدر فيها أجدادنا طاقاتهم وقدراتهم ومزقتهم كل ممزق وجعلتهم عرضة للطامعين.. ظلت مستمرة ومرافقة للإنسان العربي في كل مكان وكل زمان.. وكأن الكرَّ والفر والإقبال والإدبار في ساحات الوغى جزء من موروثات العربي لا يستطيع الانفطام منها.. فذاكرة داحس والغبراء وكذا ناقة البسوس إلى الحرب التي اشتعلت بسبب بطيخة بين قيس ويمن ودامت سنتين كل ذلك لون بعض قناعات العرب وطبعها بطابع يستدعي التأمل والتساؤل.. لماذا أمة العرب تقف على مفترق طرق أمام خيارات لا حول لها فيها ولا قوة.. غزو ثقافي يهدد هويتها وثقافتها وحروب فُرِضت عليها فرضاً فقتلت الإنسان وشردت الولدان وهجَّرت السكان ودمرت البنيان.. إنها قوى الشر تكالبت على الوطن العربي من كل حدب وصوب.. قوى اتحدت سراً وادّعت الخلاف والاختلاف جهراً.. حاكت المؤامرات وزرعت الفتن مدّت بصرها وبصيرتها إلى جغرافية المنطقة العربية لتفرض هيمنتها وأنظمتها على أمة عريقة في تاريخها وثقافتها وغنية بثرواتها الطبيعية.. وها هي الآن تسعى بكل ما أُوتيت من قوة لتقسيم المنطقة العربية ومنع توحُّدها وعزل الشعوب العربية عن بعضها البعض.. وأما ما يتحدثون عنه في مؤتمراتهم وما يطلقونه من مبادرات عالمية فلا تعدو كونها مجرد أحاديث تردد بين الفينة والأخرى ولا تغلق منفذاً واحداً من الهوة السحيقة الحاصلة في الوطن العربي.
ما أشبه اليوم بالأمس.. فما يجري في العالم العربي اليوم هو نسخة معاصرة لحرب داحس والغبراء التي اشتعلت في الجاهلية بين قبيلتي عبس وذبيان واستمرت عقوداً وما الفارق الوحيد بين داحس والغبراء المعاصرة وداحس والغبراء الجاهلية سوى نوعية العتاد والأسلحة المستخدمة والفئات الدولية المتآمرة على الوطن العربي.. فهلا استيقظت أمتنا العربية من سباتها وأدركت أننا أمة عريقة عظيمة لا ترضى بالذل والهوان والضعف والانكسار والاستلاب والتبعية.. أرجو ذلك.