محمد العرب
ربما لا أعلن سرًا عندما أقول: إن العرب والمسلمين يتعرضون لحرب فكرية لا أخلاقية، حرب مدروسة بعناية تعتمد مبادئ التعميم وإصدار الأحكام العامة، حزب يهدف إلى تنميط وقولبة المجتمع ومسخه وبناء صورة نمطية مخادعة، وهي أحد أساليب الاعتداء الفكري والإعلامي السافر علينا، والقولبة وتصنيع الصورة النمطية السلبية ليست مشكلة معرفية بسبب نقص المعلومات، بل هي عدوان معنوي متعمد ومخطط له، ولتقريب الفكرة أكثر، مثلاً أن صورة المسلم الخليجي في الإعلام الغربي والفارسي والصهيوني تتطابق ولا تخرج عن دائرة الثري الذي يَملِك مالاً هائلاً ولا يعرف كيف يتصرَّف به ولذا يجب أن تكون عليه وصاية، بينما في الواقع نحن لسنا كلنا أغنياء والأغلبية تصنف بين الطبقتين المتوسطة وما دون ذلك، كما أن ذلك الإعلام المتحامل والمتجني يحاول وصفنا كخليجيين بطريقة تجعلنا نبدو على صورة ذلك الهمجي الجالس وراء برميل النفط يُهدِّد حضارة الغرب المتقدمة بزيادة الأسعار متى ما أغضبه أحد، كما أن صورة العِقال والجمل والسيف ارتبطت بصفات سلبية يتم تسويقها بشكل خبيث ومتعمد بغرض رسم صورة لا تمت للواقع بصلة، والإعلام العربي يُسهِم من حيث يدري أو لا يدري في ترويج هذه الصورة المخادعة، فالكثير من الأخبار في الإعلام العربي تروج الخليجي على أنه المزواج الشهواني الذي يَجُر وراءه طابورًا من النساء وأن الثراء الفاحش جعله يتنازل عن القيم والأعراف فأغرق نفسه بملذات الحياة وعزل نفسه عن قضايا الأمة وعن الواقع الإقليمي، طبعًا ليس علينا أن نحاسب غيرنا طالما أغلب الأعمال الدرامية الخليجية تتكفل بتشويه واقعنا وتقديمنا للمشاهد العربي كطبق سمج من التناقضات، فخصومنا هم أبناء جلدتنا مع الأسف، في إفريقيا يُصوِّر الإعلام الناطق بالفرنسية المسلم بصورة تاجر الرقيق حيث تتعمَّد الكنائس تصوير المسلم بهذه الصورة، وفي الولايات المتحدة وارثة الإرث الاستشراقي الذي يغلب عليه التحامل الثقافي والعقدي، وظَّفت هذا الإرث في إعلامها، وجامعاتها، وثقافتها الشعبية، وسياستها الاستعمارية فصورة المسلم في الأفلام السينمائية والكاريكاتورية لا تتجاوز صورة الغوغاء المتعطش للدماء، أو أننا ذوو أنوف معقوفة، قساة وغير متحضرين، وبمقابل هذه الصورة القبيحة للإنسان المسلم، تُصوِّر السينما الهوليودية الأمريكي بأنه إنسان طموح واسع المعرفة ذكي وثبور لا يخدع لا يُخدع، فهو يعمل في إطفاء الحريقينقذ النساء والأطفال وهو التسامي فوق الضغائن والأحقاد والأعراق والعنصرية والمنتصر للحق وبالحق، هذه الصورة للرجل الأمريكي لا تُعرض بشكل عفوي نهائيًا، إنما تُعرَض بصورة منظَّمة ومدروسة، فأمريكا تُصدِر أكثر من 200 ألف ساعة تلفزيونية كل عام تغزو بها ومن خلالها أكثرها الدول العربية والإسلامية، وربما ضخامة الرقم يعكس مقدار تأثير هذه الدعاية في العالم والمجتمعات الإسلامية خصوصًا.
ختامًا صناعة الوهم تحقق بشكل ملموس في غزو العراق عام 2003 الذي استمر 800 ساعة على أرض الواقع من أول رصاصة حتى سقوط تمثال صدام حسين وسط بغداد لكن تم إنتاج أكثر من 20 ألف ساعة تلفزيونية لتغذية المشاهد الأمريكي فقط لتوثق مراحل الغزو برؤية أمريكية مما يجعل المواطن الأمريكي يخضع من حيث لا يدري للصورة البصرية الأمريكية لما حدث في بلاد ما بين القهرين، وقديمًا قيل إن الصورة لا تكذب أبدًا وأضيف هنا لكنها تخدع دومًا.