من أهم عناصر التخطيط الإستراتيجي عملية تحديد القيم والمبادئ للمنظمة. وعلى حسب رشد المنظمة, يكون مستوى الاهتمام بهذا العنصر. بعض هذه المنظمات تمر مرور الكرام على هذا العنصر وتعده ديكوراً مكملاً للخطة الإستراتيجية. ويكون ذلك في الغالب جهلاً بأهميته في تكوين المنظمة وتحقيق أهدافها. وفي المقابل هناك من الجهات من تعطي هذا العنصر حقه من التدبر والاهتمام وتعي أهميته في الوصول إلى الغايات والأهداف. ولا يختلف اثنان بِعِظَم دور القيم والمبادئ في خلق منظمات متوازنة وبيئة سليمة للعمل تحفز على الإنجاز والإبداع وتُشعر المتعاملين مع هذه المنظمة بالطمأنينة وترسم معالم الطريق وأسس العمل بما يكفل الحقوق ويحقق العدالة ويحث على الاجتهاد. ويدعو خبراء التخطيط الإستراتيجي باختيار قيم تحفز على التنافس الشريف وتَحَمّل المسؤولية والعمل المشترك والنزاهة والعدالة والشفافية.
وفي هذا السياق, فقد وجدت أن في كتاب - الله سبحانه وتعالى - وصفاً مختصراً للقيم والمبادئ في قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ.... (النحل - 90). يقول ابن مسعود -رضي الله عنه - عن هذه الآية: هذه أجمع آية في القرآن لخير يمتثل، ولشر يُجتَنب. وحكى النقاش قال: يقال زكاة العدل الإحسان، وزكاة القدرة العفو، وزكاة الغنى المعروف، وزكاة الجاه كتب الرجل إلى إخوانه. ويقول علي بن أبي طالب - رضي الله عنه: العدل الإنصاف، والإحسان التفضل. أما ابن عطية فقال: العدل هو كل مفروض، من عقائد وشرائع في أداء الأمانات، وترك الظلم, والإنصاف، وإعطاء الحق. والإحسان هو فعل كل مندوب إليه؛ فمن الأشياء ما هو كله مندوب إليه، ومنها ما هو فرض، إلا أن حد الإجزاء منه داخل في العدل، والتكميل الزائد على الإجزاء داخل في الإحسان.
وقد ذكر القرطبي في تفسيره للإحسان معنيين: أحدهما متعد بنفسه؛ كقولك: أحسنت كذا، أي حسنته وكملته، وهو منقول بالهمزة من حسن الشيء. وثانيهما متعد بحرف جر؛ كقولك: أحسنت إلى فلان، أي أوصلت إليه ما ينتفع به. وهو في هذه الآية مراد بالمعنيين معاً.
ومما سبق نستطيع أن نستقي قيمنا ومبادئنا عملاً بهذه الآية الجامعة. فالعدل يلزمه النزاهة والشفافية والعدالة في التعامل مع الآخرين وتقييمهم والحكم عليهم وحفظ حقوقهم. والإحسان يتطلب وازعاً ودافعاً داخلياً يحث المرء على تقديم أفضل ما عنده لينجز أعماله سعياً للوصول إلى درجة الكمال. كما يستلزم ذلك الإحسان إلى الآخرين بمساعدتكم وتقديم الدعم اللازم لهم والتواضع لهم والعمل على الارتقاء بهم, وحسن التواصل معهم.
إنها معانٍ سامية وقيم متكاملة جُمعت في كلمتي «العدل والإحسان» تغني عن مئات الجُمل والعبارات, ولا غرو فهي من كلام رب العالمين الذي هو أدرى بمصالحهم من أنفسهم.
استاذ مشارك/ جامعة الملك فهد للبترول والمعادن - أكاديمي سعودي - مستشار/ مشرف على تقنية المعلومات - هيئة تنظيم الكهرباء والإنتاج المزدوج
بريد إلكتروني: dajani@kfupm.edu.sa