تحقيق - محمد المرزوقي:
يرى الطب النفسي أنّ معظم الناس يمرون بـ«أزمة منتصف العمر» التي تبدأ بالأربعين وقد تستمر لعشرين عاماً، يكون تأثيرها على النساء أكثر شيوعاً من الرجال، متخذة من البعد النفسي جذراً تتفرع منه حالات من: التوقف، التنحي، السخط، العزلة.. فيما اعتبر مثقفون أنّ هذه الأزمة تتوارى عبر هوامش صفحات الكتابة.. ومتبخّرة عبر فضاء متون النصوص!
الستون لا الأربعون!
الكاتب والناقد الدكتور محمد الربيّع وصف محطة الأربعين قائلاً: عندما نجد من يربط «أزمة منتصف العمر» بأنها ظاهرة كما هو السائد، ففي ظني أنها بحاجة إلى استقصاء تبنى عليه كظاهرة، إذا ما اعتبرنا أنه من سن (40-60) أن الموظف لا يزال مشغولاً بوظيفته، ومن لم يكن موظفاً فما يزال لديه عطاء، ما يجعلنا أمام فئة قليلة، منهم من اتخذ ما يستفيد من وقته على المستويين الديني، أو الاجتماعي، إلا أنني أجد قلة ممن تجاوزوا الستين منكفئين على أنفسهم، والسبب في هذا اعتقاد البعض التقاعد نهاية الحياة، لنجد الغربيين - مثلاً - بعد التقاعد ينخرطون في أعمال اجتماعية، فيما يظل لدينا التوجه لمثل هذه الأعمال المجتمعية ذات قيمة أعلى لدينا بوصفها وسيلة نافعة نفسياً وغاية مأجور عليها.
الظلم والأزمة!
وعن العقد الرابع والمبدعين أضاف الربيّع: المبدعون هم - أيضاً - على فئات فمنهم من ظل مستمراً في نتاجه مواصلاً عطاءه، متجاوزاً الملل وما قد يعترضه من عقد، متدرجاً في النضج وتراكم التجربة، وتسنّم درجات الإبداع المؤصلة، بينما نجد من المثقفين والمبدعين من تظهر لديه هذه الأزمة النفسية، خاصة من يشعر أنه مظلوماً من الوسط الثقافي، وأنه لم يعط ما يستحق من التقدير، فبوصف هذه الحالة نفسية ومرضية، متى ما كبرت لديه مع سنوات العمر فسيظل يعاني هذا المآزق، لكون المبدع أشد إحساساً بهذه الأزمة، التي ظهرت لدى بعض من وجدته يعانيها متبرماً ومتشكياً مما آلت إليه به رحلة العمر، متناسياً أن الحياة أمانات، ومحطات، وقناعات.
التصنيف والعقود
الكاتب والناقد الدكتور سحمي الهاجري، استهل حديثه قائلاً: فيما يخص الجانب النفسي لعموم الناس لدى الطب النفسي تجاه «أزمة منتصف العمر»، فهذا مما بنوه على أبحاثهم وتجاربهم في هذا المجال، أما فيما يختص بالمبدعين محلياً أو حتى في التجارب الإبداعية والأدبية والثقافية عالمياً، فقد لا يتضح فيها ما يمكن أن يكون منها ضمن مفهوم «أزمة الكتابة» ما يجعل من الصعوبة أيضاً أن يتم التصنيف على أساس يقوم تقسيمه على أن هذا نتاج ما قبل منتصف العمر، وذاك نتاج ما بعده، ومن ثم التوصل إلى أن هذا له سمات تميزه عن سمات ذاك، إذ لم يسبق أن اطلعت على دراسة تتناول هذا الجانب، أو بحثاً يأخذ هذا الاتجاه.
ربما الشعراء!
أما عن قدرة الإبداع على تجاوز «أزمة منتصف العمر» فقال الهاجري: غالباً لدى المبدع خاصة والمثقف عموماً تراكم معرفيّ، وانضباط نفسي، كمقومات تجاوز به الكثير من الأزمات التي قد تلّم به، ومن ثم تجنب ما يقع فيه أفراد الناس، ما يجعل من تراكم العقود لدى المبدع تشكل نضجاً ووعياً وإدراكاً، ما جعل من الكثير من الأعمال الخالدة في آداب العالم، كونها كتبت بعد عقود من التجربة الإبداعية التي جاءت بعد العقد الرابع وما يليه، باستثناء ما قد نجده لدى الشعراء، باعتبار أن الشعر «ذاتي» بالدرجة الأولى تنعكس عليه دواخل الإنسان، خلافاً لما نجده لدى المشتغل بالفنون الكتابية الأخرى من نقد، وسرد، وشؤون حياتية فكرية وثقافية.
تجربتي الشخصية
كما وصف الناقد والشاعر الدكتور يوسف العارف، أزمة منتصف العمر الشائع تدولها في الأوساط الاجتماعية قائلاً: عندما أتحدث من خلال ما يتم تداوله عن هذه الأزمة من منظور ثقافي بعيداً عن رؤية علماء النفس لها، وصارفاً النظر عن تعدد الرؤى إليها اجتماعياً، فإنني هنا سأقصر حديثي على تجربتي الشخصية، فلم أعش شيئاً من هذا، بل إنني أجد أن أزمة العمر هي في «الواقع» أزمة ما بعد الستين، إلا أنني وجدت فيها كمثقف بعد أن تفرّغت من العمل الحكومي، بأنها فترة الاستثمار الأمثل للوقت، وامتلاك لناصية الوقت لإنجاز ما اشتغل به، ليقيني كسائر المثقفين والمبدعين بأنّ العمر لا يتوقف عند مرحلة معينة.
منتصف النجاح!
من جانب آخر قال الكاتب عثمان بن حمد أبا الخيل: النضوج الفكري والعقلي عند بعض الكُتّاب والمبدعين في مرحلة منتصف العمر، جعلهم يتعايشون معها وينسجمون، فهم يدركون معناها وعلى أي أرضٍ تقف، فالإنسان يمر بمراحل عمرية ولكل مرحلة لها عالمها من الجمال والسلام، ومنتصف العمر مرحلة النضوج والإبداع ورجاحة العقل والتغيرات الهرمونية الجسدية تتزامن مع التقدم في العمر، وهذا شيء طبيعي، وحين يعيش الكاتب والمبدع مرحلة مراهقة آمِنة، فسوف يتعايش مع مرحلة منتصف العمر بسلام ومحبة، فالكتّاب والمبدعون يظل إنتاجهم الفكري والأدبي في هذه المرحلة من أنجح ما أنتجوا من الأعمال القائمة على الخبرة والدراية والممارسة، وعلى من يغالط ذلك عليه أن يراجع نفسه ويقيم موقفة، فهي مرحلة تحقيق الطموحات والأهداف عند الكُتّاب والمبدعين، وعليهم أن يفعلوا كل شيء لتحقيق ذلك، وألا يفكروا بـ»أزمة منتصف العمر» فالأعمار بيد الله - سبحانه وتعالى -، ومن يعرف معالم الطريق الذي يسلكه أسهل وأسرع للوصول من الإنسان الذي لا يعرفه وهذا حال بعض الكُتّاب والمبدعين!.