ورغم التعدد الرهيب في المعبودات الذي ظهر لنا في الجزء السابق إلا أننا نجد أن فكرة (التوحيد) وُجدتْ أيضًا في مصر القديمة، فهناك اعتراف بوحدة الإله الخالق في مذهبي عين شمس ومنف القديمين لتفسير نشأة الكون وخلقه، فقد أرجع كلُّ مذهب منهما الوجود بكل ما فيه من ناس ومخلوقات إلى خالق واحد أسموه في عين شمس باسم «أتوم»، بمعنى الأتم المتناهي، ودعوه في منف باسم «بتاح» بمعنى الصانع في أرجح الأقوال.
وسنشير - بضغط مركّز - إلى عدد من أشهر المعبودات في مصر القديمة، فالإله «أوزير» كان من أشهر معبوداتهم، وقد ربط المصريون بينه وبين كل التطورات التي تحدث على الأرض، خاصة المؤثرة في إنتاجهم الزراعي، فعندما يأتي الفيضان فإن أوزير باعتقادهم هو الماء الجديد الذي يحيي حقولهم، وإذا جفّ النبات اعتقدوا أن أوزير مات، ولكن موته ليس أبديًا إذ يعود من جديد في العام التالي، ومن هنا تطوّرتْ الفكرة فصار أوزير إلهًا للموتى وسيدًا لهم.
وقد عُبد «أوزير» في كلّ أنحاء مصر القديمة فهو الأشهر، وتمّتْ عبادته في ثالوث يتكون منه أولاً، ومن زوجته «إيزه» التي اشتهرت بأنها رمز للإخلاص للزوج ورعاية الابن ثانيًا، وابنه الإله «حور» ثالثاً. وقد بنى المصريون لأوزير معبدًا كبيرًا ولابنه حور عددًا من المعابد.
ومن أشهر آلهتهم أيضًا الإله «رع»، ويعني اسمه (الشمس). وقد قامت الشمس بدور كبير في الفكر الديني المصري القديم، خاصة بتأثير سطوعها على الإنتاج الزراعي؛ ولذلك رمزوا لـ»رع» بقرص الشمس، فصوّروه بصور مختلفة، أشهرها القرص على القارب. وقد أشارتْ الأدلة الأثرية إلى أن عبادة الشمس سادت بينهم بلا شك، خاصة في الأسر الأولى. وقد بُنيت في مصر القديمة معابد شمسية كثيرة، تمتاز بوجود المذابح فيها، وبأنها مكشوفة ومختلفة في عمرانها عن بقية معابدهم.
ومن آلهتهم الشهيرة أيضًا الإله «ست» الذي اشتهر بأنه (إله الشر والعواصف) وقد كان مريب الشكل، حيث صوّروه بحيوانات غريبة مخيفة تقل شبيهاتها بينهم، وأشهرها صورة كلب مرفوع الذيل، وكذلك صورة الثور البري. كما عُبد الإله «ست» بصور حيوانات أخرى أبرزها الجحش، والتمساح، والوعل، والسمكة، والثعبان، وعجل البحر، والسلحفاة... ومن آلهتهم أيضًا «بتاح» وكان من أوائل الآلهة التي ظهرتْ في هيئة بشرية، وظلّ كذلك حتى نهاية التاريخ المصري القديم. وقد اشتهر بتاح بأنه الإله الحامي للفنون والصناعات.
ومن آلهتهم «تحوت» الذي نسبوا إليه أصول الحكمة والحساب، واعتبروه (كاتب الآلهة) والقاضي بين الآلهة في منازعاتها، كما أنه هو الذي يشيّد المدن ويبنيها.
ومن آلهتهم أيضًا الإله «انوبيس» الذي اعتبره المصريون حاميًا للجبانة وربًا للموتى.. ومن آلهتهم «خنوم» الذي اعتقدوا أنه إله خالق منذ البداية، خلق نفسه من نفسه، وخلق الأرض ورفع السماء على أربعة أعمدة، وخلق كلَّ الكائنات الموجودة والتي ستوجد، وهو أيضًا خالق الآلهة، والبشر الذين شكلهم من الصلصال على عجلة الفخار... ومن آلهتهم الإله «حتحور» والإله «آمون» والإله «نخبت» والإله «وادجيت» والإله «سشات» وغيرهم الكثير.
وكان الإله «خنوم» في عقيدتهم مسؤولاً عن تصوير الأجنّة في الأرحام، وهو أيضًا إله الماء النقي أو إله منابع النيل. وقد تطوّرت الديانة من وقت لآخر، وظهرتْ معتقدات جديدة ولكن المعبودات القديمة لم تختفِ، وكانت النتيجة أن تعقّدت الديانة المصرية تعقيدًا شديدًا لاشتراك كثير من الآلهة في صفات واحدة وإن اختلفت مدلولاتها.
ولأنّ المصريَّ مسالِمٌ بطبعه فقد أثر ذلك في ديانته؛ فلم تُنعت آلهته بصفات العنف أو حب سفك الدماء كما هو الحال بين بعض آلهة الثقافات والفلسفات الدينية الأخرى.
نتوقف هنا الآن، ونختم هذه السلسلة بالجزء القادم الأخير، الذي سيكون عن فلسفة الأخلاق والطقوس الدينية في مصر القديمة.
- وائل القاسم