«الجزيرة» - محمد المرزوقي / عدسة - فواز الروقي:
احتفل مساء يوم أمس الأول، الأصدقاء المقربون للعلامة أبي عبدالرحمن بن عقيل الظاهري، وذلك في «مزرعة الناصرية» بالدرعية في الرياض، حيث أعد للاحتفاء بالظاهري كل من: الدكتور عبدالله الغذامي، والأستاذ عبد الله الناصر، و الأستاذ حمد القاضي، و الدكتور إبراهيم بن عبد الرحمن التركي، بحضور أكثر من مئة أديب ومثقف وإعلامي، جاء من بينهم كل من: عمدة أسرة الناصر عبدالله بن عبدالرحمن الناصر، سعد البواردي، د.حمد المانع، د. عبدالله العثمان، د. محمد السالم، د. عبدالرحمن الشبيلي، د. أحمد السيف، د. علي الخضيري، محمد المنصور، محمد الخضير، د. عبدالله الوشمي، د. عائض الردادي، عبدالله الزيد، خالد السليمان، محمد الأحيدب، د. عبدالله الحيدري، محمد القشعمي، د. عبدالعزيز الهلابي، د. علي التجعي، د. عبدالله نصيف، د. عبدالله الظفيري، د. محمد الفاضل، د. إبراهيم أبو عباة، فهد العبدالكريم، خالد العريفي، فهد الثنيان، د. أسعد عبده، د. سلطان البازعي، د. الوليد العيدان، د. نايف الرشدان، عبدالرحمن العيدان، يوسف المحيميد، د.فهد السنيدي، عبدالكريم العودة، حاسن البنيان، عبدالعزيز العيد، د. عبدالواحد الحميد، د. عبداللطيف الحميد، د. ناصر الرشيد، فيصل عبدالرحمن بن عقيل، إبراهيم عبدالرحمن بن عقيل، د. راشد العبدالكريم، د. محمد الحيزان، سعد العتيبي، د. أحمد السعيد، عبدالرحمن العليق، عبدالعزيز الشمري، سعد الثنيان من قناة الصحراء، وبندر اليحيى من قناة الشهامة، وكثير غيرهم.
وقد بدأ الاحتفال بكلمة لعبد الله الناصر قال فيها: هذه ليلة كريمة، ليلة من ليالي الفكر والأدب والثقافة، ليلة لا نكرم فيها أبا عبدالرحمن وإنما هو الذي كرمنا بقبوله دعوتنا، فحياه الله وإياكم، ومن بادر من الزملاء عبدالله الغذامي وحمد القاضي وإبراهيم التركي، في مشروع تكريم شيخنا الفاضل، وأديبنا الكبير، فالواقع أنني عرفت أبا عبد الرحمن عندما كنت طالبا، وكنت أتابع بشغف ما كان يكتب وفيما يتحدث فيه، إلا أن معرفتي به الحقيقية في يوم من أيام الثقافة والأدب في نادي الرياض الأدبي أيام رئاسة الشيخ عبد الله بن إدريس، وكانت المناسبة، هي الحوار مع أحمد فرح عقيلان حول كتابه «جناية الشعر» إذ حضرت لأستمع إلى أحاديث الأدباء والمتخصصين في الشعر الحديث وفي الحداثة، إذ تكلم القوم آنذاك كلاما طويلا عريضا عن الأدب والحداثة، ثم جاء أبو عبد الرحمن متأخرا، حيث جلس في كرسي ليس في الصدارة، وعندما انتهى القوم من أحاديثهم، خلع نعليه وتقدم على البساط وأخذ يتحدث عن الحداثة حديثا لم أسمعه من المتحدثين، إذ عرّف الحداثة بروعة وجمال بما وصل إلى العقل وفكر المثقف بسهولة، إذ قسمها قسمين، أولهما: التطوير والتحديث، واصفا إياه بأنه جزء من حركة الكون الدائمة المتحركة، وبأن الحداثة التقدمية بمعناها الاصطلاحي عملت على نشر العلم ومحاربة التقليد والثبات، مستعرضا بداياتها على يد الشاعر والفيلسوف الفرنسي «بودلير».. منتقلا إلى القسم الآخر لمفهوم الحداثة حسب مفهومها الفكري الفلسفي، قائلا: إن الحداثة حسب هذه المفاهيم معارضة ومخالفة للدين، لأن الحداثة ترى العقل هو مركز الكون، إذ لا تؤمن بالغيبيات، وبأنه لا شيء غير العقل، مستطردا عن دخول الحداثة إلى العالم العربي ومستوى فهمهم لها، موضحا حينها أن الحداثة انتهت في الستينيات، وأننا أصبحنا حينها فيما بعد الحداثة في وقت ما يزال الصراع حولها، موضحا مفهوم ما بعد الحداثة وما تقويض ونقض لها، مقارنا بين مفهوم الحداثة تؤمن بالكليات، فإن ما بعدها يؤمن بالماديات وأن الإنسان جزء من منظومة الحياة المادية معرجا حينها على فلسفة «نيتشة».. مردفا الناصر قوله: لم أجد حينها من يداخل أو يعارض أبا عبد الرحمن فيما طرحه سوى عبدالله نور الذي قفز مقبلا رأس ابن عقيل قائلا: لا عطر بعد عرس، وما نحن اليوم إلا تلامذة لعبد الرحمن بن عقيل، مختتما الناصر حديثه قائلا: استمرت منذ ذلك الحين علاقتي بأبي عبدلرحمن كتلميذ لأديب فيلسوف وعالم جليل كبير في قدره وفي أدبه وإنسانيته، وكان من أجمل الفرص أن دعوته وبصحبته حمد القاضي إلى لندن، في الملحة الثقافية في بريطانيا، الذي شارك لثلاثة أيام، اقترح خلالها غازي القصيبي – رجمه الله – أن يخصص يوم لأبي عبدالرحمن، حيث أقيم يوم في المكتب الثقافي بحضور نخب ثقافية عربية آنذاك منهم الطيب صالح، وبلند الحيدري، وغيرهما، إذ كانوا يذهبون إليه في الفندق الذي كان يكرمهم فيه معتبرهم ضيوفه.
ثم ألقى الزميل التركي كلمة الدكتور عبدالله الغذامي الذي منعه السفر من الحضور والمنشورة في زاويته (وهذا باب في التوريق) ص 3.
كما ألقى الأستاذ حمد القاضي - الذي أدار حوار الاحتفال- كلمة، شكر فيها المحتفى به على قبول الدعوة، وحضور الحفل، قائلا: هنا استحضر ما قالته أحلام مستغانمي أريد أن أرى الأوسمة على صدري بدلا من أن أراها على قبري، وهذا الذي يجب أن يكون من الاحتفاء بعلمائنا وأدبائنا، وذلك أنم نكرمهم وهم أحيا بيننا، ومن ثم نكرمهم بعد رحيلهم، لأني أرى التكريم الحقيقي في الحياة، مستعرضا العديد من المواقف مع المحتفى به التي وصفها القاضي بأنه تلتقي في الظرافة واللطافة مضيفا: شخنا أديب فقيه نحوي شاعر نسابة عالم وصفات كثيرة.. وقد كان لي معه مواقف كثيرة أذكر منها: كان أبو عبد الرحمن يكتب في المجلة العربية «تباريح» إلا أنه خلال فترة انشغل عنها وانقطع عن كتابتها ما جعلنا محرجين مع المطبعة، ما جعلني أرسل إليه في (وريقة) بإيقاف زاويته، إلا أنه فاجأني بعد أسبوع بإرسال مقالة بعنوان :»القاضي وقرار الفصل» ما جعلني أرد بمقالة :»ليس قرار فصل وإنما قرار الوصل» ما أدار معركة جميلة شارك فيها محبو شيخنا ومريدوه.
ثم ألقى الزميل إبراهيم التركي قصيدة بعنوان» بين التفاؤل والتضاؤل» ستنشرها (المجلة الثقافية) في عددها الأسبوع المقبل، إذ جاء مطلعها القصيدة:
سعيت نحوك لا أدري متى أصل؟
يقودني الحاديان الشوق والأملُ!
إخفاؤه لكوثر البشراوي!
وعن إحدى الطرائف قال القاضي: عانا أبو عبدالرحمن إلى منزله، إذ أعد مأدبة لضيف لم يخبرنا به، ما جعلنا أكثر غرابة عندما قمنا لتناول العشاء دونما ضيف، وبعد أن أنصرف أغلب المدعوين، عرفنا أن كوثر البشراوي حاضرت إلى منزله لإجراء مقابلة معه، ما جعل أبا عبد الرحمن يقيم لها ذلك التكريم، لما عهد من كرمه واحتفائه بكل من عرف، إلا أن ذلك الظهور التلفزيوني مع مذيعة غير متحجبة أثارت قرابة العامين كثيرا من أصحاب الأقلام المناوئة لأبي عبد الرحمن.
أنا والغذامي و»تبن» العلوم!
قال العلامة أبو عبدالرحمن بن عقيل خلال كلمته: إني أشكر لأحبائي المشاركين في التقديم لهذا الحفل المبارك، وهم الذين أسمعوني من الثناء ما هو عاجل بشرى المؤمن، وإنني في هذه المشاركة أتحدث مما قد لا يخطر ببال أحد، مما استللته من آخر إجازة مني ضمن إجازاتي لبعض تلاميذي أو قراني أو مشايخي، مغتنما وقتين كريمين هما يوم الخميس، وما يليه من ليلة الجمعة.. وإني وأخي الغذامي على وجه الخصوص، استهلكنا أعمارنا في تبن العلوم تبنا، ما بين البنيوية واللسانيات والعقل الجمالي، ومظلات العشق مثل: الحب كله نعيم، يا ما جرح الورد أيادي! وسط الطريق، وعدونا فسبقنا ظلنا! أنجاة .. يا منجاة مبتئسا.. كبر الهوى.. وبحكمه أنت الصغيرة! إلا أن هدف كل عاقل العراقة في تحصيل جوانب العلوم، وليس أتبانها.
أشعر باقتراب الرحيل!
وفي وصية وجهها الظاهري لعامة المحبين وخاصتهم، قال فيها: حباء مني لي ولإخواني المسلمين عامة، وحباء خاصا لنفسي ولأخي عبدالله الغذامي، ذلك أيها الأحباب أنني أشعر بقرب الرحيل، لأنني سلخت ثمانين عاما، وأعمار أمة محمد – صلى الله عليه وسلم – بين ستين وسبعين، وقلّ من يتجاوز ذلك، وما بعد الثمانين إلا أرذل العمر من جراء «الهجيرة» التي يسميها العوام (هذراء) وما استجد بعد ذلك من عوارض الزهايمر، وإني أعاني هذا اليوم تلك العوارض، والدليل على هذا أنني ما تعودت أن أحاضر من ورقة إلا بعد هذه العوارض.. فأرجو من إخواني وأحبائي الذين كرموني هذا المساء ومن كل أحبائي أن يكرموني إذا حل اجلي، بأن يشيعوني إلى القبر فيثنون عليّ خيرا ليقول سبحانه وتعالى «وجبت» أي وجبت له الجنة.
الظاهري و نجاة الصغيرة!
قال حمد القاضي عن هذه الحكاية: أصدر أبو عبدالرحمن ديوانه «النغم الذي أحببت» وأهداه لنجاة الصغيرة، قائلا في إهدائه: «إلى ذات الحنان الدافئ، سلمت حنجرتها من كح.. وبح» حيث صدر الديوان بطبعتين كان على غلاف أولهما صورة لأم الوليد تعزف، وعندما أعطاني نسختي، قال لي: تصميم الغلاف لـ»الزكرت» من أمثالك، وفي سفري إلى مصر كلفني أن أوصل نسخة لها، إلا أنني رغم اتصالاتي عدة مرات لم أجدها، ما جعلني قبيل سفري أمر بنسخة لأسلمها لحارس العمارة، الأمر الذي أغضب شيخنا ليكتب مقالا فيما حدث بعنوان: عدم التراضي عن حمد القاضي، إلا أن النسخ منه أحرقت على طلب أبي عبدالرحمن.
الله يكفينا «شر» الثالثة!
سرد المحتفى به في حكاية مطولة من ثلاثة فصول مع إبراهيم العنقري، خلال عمله مراقبا على الأفلام (العربية) في التلفزيون السعودي، حيث أجيز بالخطأ ما لم يجزه ابن عقيل، ما جعله يفتش عن براءاته في أرشيف المجاز، إلا أن إحضار متدربين جعل المحتفى به يحس بالبحث عن بديل ما دعاه إلى تقديم استقالته للعنقري الذي أبدى الرغبة في الاستغناء عن ابن عقيل، ليكون العنقري مسؤولا مباشر عن الظاهري خلال رئاسته لنادي الرياض الأدبي، إلا أنه وجد عدم الرضا باستمراره رئيسا للنادي من العنقري ليقدم استقالته، لينتقل بعدها لأجده ثالثة رئيسي في الشؤون البلدية مع جعله يذهب إليه متحسرا على طرده ثالثة، إلا أن العنقري أوعده بأن يكفيه شر الثالثة ليكون أول قراراته ترقية ابن عقيل في الدرجة والمنصب.
دواوين و «ملايين» الديون!
وقد استعرض ابن عقيل العديد من مناسبات قصائده من عدد من دواوينه، كما ألقى قصيدة رثائية عن الأمير نايف بن عبدالعزيز - رحمه الله – التي ألقاها أمامه في مناسبة ثقافية، إلى جانب استحضاره عددا من القصائد الشعبية التي طلبها المداخلون، إذ قدم المحتفى به بعض أبياتها بألحان شعبية تفاعل معها الحضور.. مستعيدا مرحلة من حياته قال عنها: تراكمت عليّ الديون إلى أن وصلت خمسة ملايين ريال، إلا أن الملك فهد - رحمه الله – وجه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان – حفظه الله – عندما كان أميرا للرياض بمتابعة أمري، إذ تكرم بعض المقرضين بالتنازل عن مليون ونصف، فيما سدد بقية الدين، ما جعلني أستطيع أن أبني من المليون والنصف منزلا ومقرا لمجلة الدرعية.
مع أبي تراب.. وعاتكة!
قال ابن عقيل لم يغضب عليّ أبو تراب كغضبه عندما توفي والده ولم أرثه، وقال لي: لا تستحي على وجهك يا زاهري؟! أترثي الكلب الأسود لنجاة الصغيرة ولا ترثي والدي؟! حيث كتب قصيدة رثائية بعنوان «هي.. وكلبها الأسود» فيما استعرض الظاهري حكايته مع العراقية عاتكة الخزرجي، التي نظم فيها قصيدة مطلعها:
أعاتكة الخزرجي.. إياك أن تتزوجي
واصفا - بفكاهته - انبهاره بجمالها عندما شاهد صورتها على غلاف ديوان لها، إلا أن الأيام لم تجمع بينهما بلقاء إلا بعد أن ذهب جلّ جمالها، قائلا: أعشق الجمال كصفات في ذاته لا لفحش أو شهوة - معاذ الله – ولم أنس موقف عاتكة عندما أصرت أن تودعنا بعد أن صعدت معنا إلى باب الطائرة!
المداخلون.. والتكريم
تحدث القشعمي في مداخلة له عن أول لقاء بابن عقيل قبل خمسة عقود، وما تبعها من لقاءات، واستضافته بعد عشر سنوات في مكتب رعاية الشباب بالأحساء حيث تمت استضافة ابن عقيل في ندوة ثقافية.. فيما استعرض الدكتور نايف الرشدان غياب الدرس «الأكاديمي» عن خلو قاعته عن الظاهري، أو عن إشراكه في التدريس، إذ هو أعظم من زكي مبارك كما قيل عنه، متسائلا عن مراجعات المثقف ما مر به من أفكار ومدى علاقة المراجعة بمواقف الإنسان.. أما عبدالعزيز العيد فناشد ابن عقيل بأن تكون القناة (الثقافية) منصة لدروس المحتفى به.. أما محمد الفاضل فقد استعرض معرفته بابن عقيل من خلال شقراء بإقليم الوشم وصولا إلى عمله معه في هيئة تحرير مجلة الدرعية.
كما ألقى الشاعر عبدالله الزيد قصيدة بعنوان: «يبادله المجد الهوى» جاء مطلعها:
دلفت إلى كون القريض أحاوله
فزايلني جراء رفض أزايله
وفي مداخلة للدكتور فهد السنيدي، أشاد بما يمتلكه ابن عقيل من شجاعة على التراجع عن العديد من أفكار كان يؤمن بها دون مواربة، مستشهدا بمقولة ابن عقيل: إن الإنسان إذا ازداد علما تعرّف على نفسه بشكل أكبر، مضيفا أنه أستاذ «تفصيلي» غزير وعجيب، ما يجعله شاهدا على العصر، متمنيا أن يكتب المحتفى به كيفية للقارئ اليوم أن يدلف إلى علمه من خلال إعادة تسلسل كتبه.. حيث شهد الاحتفال بابن عقيل الذي امتد إلى منتصف الليل تقديم درع تذكاري من قبل المحتفين به، إلى جانب تكريمه بعدد من الهدايا الرمزية جاء منها صورة تشكيلية للعلامة ابن عقيل.