د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** نحتاج أحيانًا إلى أن نقترب من بعضنا لندرك أن ما نغلف به أنفسنا من رسمية وجدية لا يعدو كونه رداءً شفافًا لا يواري ما وراءه من مرحٍ وبساطة وطيبة، وفي عالم المثقفين قد نكتشف مواهب دفينةً أو خبيئةً، كمن يدارون شاعريتهم أو نوعية قراءاتهم أو طبيعة اهتماماتهم.
** وفي رحلة قادتها المصادفة التقى «صاحبكم» بالأستاذ الدكتور صالح بن حسين العايد وتقارب مقعداهما في رحلة طويلة فعرف أنه شاعر محلِّق، واستهواه نصٌ له أراه إياه عبر جهازه «اللوحي» فعارضه «صاحبكم» في الطائرة بنصٍ جاء فيه:
يا سيدي كلنا أصداء ملهمةٍ
تجيء .. تغدو كحلم فرّ من زحل
هذي حكاياتنا للغيم ننثرها
فاعذر بيانًا غفا يرتاب في المُثُلِ
واستودع الشعرَ لونَ الحب في دعةٍ
فساكنُ البحر لا يخشى من البللِ
طابت حياتك بالسلوى وإن غربت
فسيرة الشمس تروي «صحة العللِ»
** لم يحتفظ بنص الدكتور العايد إذ لم يستأذنه، لكنه تساءل إثرها: هل تجني الوظيفة على المبدع فينعزل؟ أم أنه اختياره كي يبقى في الظِل هادئًا هانئًا نائيًا عن مماحكات الساحة وتلويناتها ؟
** وضع العايد بيتًا له في صفحته بتويتر مُعْلمًا عن شخصيته الشفافة:
يا مغرمًا باقتناء الورد في شغفٍ
لا تزرع الوردَ إن أعيتك سقياهُ
وقد عُهد عنه – كما يقول طلابه حين كان أستاذًا وعميدًا لكلية اللغة العربية – الصرامةُ، وهو ما لا يُستغرب من باحثي النحو؛فربما قادهم إلى كثير من التحليل والتعليل والتدليل فلم يجدوا وقتًا لاكتشاف دواخلهم ، وحين يكتشفونها يلتفتون عنها؛فجدليات سيبويه والكسائي وتصنيفات ما يسمى مدارس «الكوفة والبصرة وبغداد» أغلى لديهم من المتنبي وأبي العلاء وشوقي.
** العايد باحث جاد وله مؤلفات في اللغة والنحو والتراث ، وحاضر عن لغة القرآن الكريم،كما شرح التحفة السنية بشرح المقدمة الآجرّومية ، وكتب عن حقوق غير المسلمين، وذاع كتابه : يظل الرجل طفلًا حتى تموت أمه ،وكان قد حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه من كلية اللغة العربية عن تحقيق كتابين : شرح الحدود النحوية لجمال الدين عبدالله بن أحمد الفاكهي ، والبديع في علم اللغة العربية لمجد الدين المبارك بن محمد ابن الأثير.
** غادر الجامعة للعمل في المنظمات الإسلامية الدولية، وآخرها أمانته للهيئة الإسلامية العالمية للحلال، وفي تغريداته ما يوحي أنه يرى قيمة التقاعد وقت الصحة والنشاط فلعل الوسط الثقافي يكسبه حين يفرغ من ارتباطاته ليشارك بفاعلية في عطاءات تمس تخصصه الدقيق الذي قلَّ متمكنوه وكثر شانئوه.
**الوظيفة تخطف التميز.