د.عبدالله الغذامي
ظهر (أبو عبد الرحمن ابن عقيل الظاهري) إعلاميا في مطلع السبعينات وكان لظهور اسمه وقع مدهش، فالاسم يتشكل من عقدة ثقافية وكأنها ألغاز فهو لا يمت لمعهود الأسماء الصحفية، ولا لمنظومة الصيغ المرمزة التي تعود الناس ظهورها لكتاب وكاتبات لا يودون إظهار أسمائهم الحقيقية.
ثم إن الاسم هذا هو من صناعة صاحبه، والمعتاد عرفيا أن الأسماء هي من تشفع لأصحابها، كأن يكون الاسم فئويا أو طبقيا أو وظيفيا، أو مصحوبا بلقب علمي أو رتبة رسمية، وبعض كان يأخذ اسما نسويا يساعد على لفت النظر.
ويتبع حال الدهشة هنا أن الاسم المختار يجمع بين قطبين متنافسين دلاليا، فهو (أبو) و(ابن) في آن واحد، وهو منحاز فكريا لمدرسة فقهية لها مرجعيات جدلية عالية الجدلية، وابن حزم الظاهري ظل علامة على الجمع بين المعاني المتضاربة، وبعضها يتنافر في نظر كثير من الفقهاء قديما وحديثا، وهذا ما حدث مع شخصية أبي عبد الرحمن الظاهري، فقد مر بعواصف ثقافية بدءا من نقاشه المنشور مع القصيمي، ومرورا بكشفه عن ذائقته الغنائية وعن تفضيلاته في عالم الغناء، وظهر على القنوات الفضائية في وقت مبكرا جدا، حين كان أقرانه يحرمون حتى وجود الدش على سطح البيت بغض النظر عن نوعية المشاهدة، فما بالك بمشاهدة تجمع الشيخ مع المذيعة النجمة، ويظهر الشيخ في مقالات يروي فيها قصصه مع اللقاء محتفيا بحدث كان من طبعه أنه مستفز ومغضب لأناس يرونه شيخا منهم ومثلهم، ولكن العودة للاسم الذي ترسم له عبر قطبيه الدلاليين (أبو / ابن) فإننا سنلحظ الشيء ونقيضه، فهذا الرجل هو أبو التراث وهو ابنه في آن، حيث ينهل من منابع التراث ولكنه يتصرف مع المعطى الأصل باجتهادات لا يخاف من كشفها، ولا يتردد في المحاماة عنها ولو اقتضى الأمر سلاسل من المقالات وتتلوها كتب وندوات، ولا يستصغر نقطة تبدو ضئيلة عند غيره، ولكنها عنده تتحول إلى بحر من التحدي المعرفي الذي يندب نفسه له.
تلك هي شخصية أبي عبد الرحمن ابن عقيل الظاهري بكل ما يحمله الاسم من جدلية تقدمت على جدلية صاحبها وسبقت كل كتاباته وشغبه العلمي لتكون تفسيرا بنيويا لنص ظل صاحبه يكتبه فصلا فصلا وكلمة كلمة، ولم يترك فضاء من مناشط الاستقبال إلا واقتحمها باسمه الذي ترسخ حسب صيغة (ابن التراث وأبو التراث) في ملخص مضغوط لسيرة قلم جدلي، امتهن الجدلية حتى صارت علامة، له وعلامة عليه، بما إنه الأب والابن معا، والظاهري المهووس ببواطن الأشاء حتى لكأن الظاهرية قراءة للمضمر وليست وقوفا عن شروط ظاهر النص، وكأنه يتسمى بالشيء ويفعل غيره في آن واحد، وهنا تحركت جدلية الاسم وجدلية صاحبه في كل شأن فكري تصدى له مما جعله ظاهرة وليس ظاهريا فحسب.