سهام القحطاني
الميليشيات أو الكتائب الأمنية هي عبارة عن مجموعات مسلحة خارجة على الجيش النظامي أو داعمة له من الباطن ليتجاوز الجيش النظامي أي حرج غير قانوني تقوم به تلك الميليشيات وفي ذات الوقت يصفي أعداءه بطريقة وحشية خارج مظلة أي مساءلة،كما أنها تتبع في قتالها أنظمة العصابات التي لاتراعي أي قوانين أو حقوق الآخرين،مثل التعدي على السلميين و التصفيات المذهبية و هتك الأعراض وسرقة الأموال.
كما أنها وهي الغالب تابعة لحركات سياسية ،تسهم في تمكّين تلك الحركات السياسية من إنشاء قوة عسكرية موازية للقوة العسكرية للدولة الرسمية و أحيانا تفوقها مما يجعلنا أمام دولة داخل دولة لتتحكم الأقلية في قرار الأغلبية بتأثير القوة العسكرية التي تملكها.
نستطيع أن نؤرخ بدايات فكرة «الجماعات المسلّحة» في التاريخ السياسي خاصة الإسلامي بفتنة مقتل عثمان بن عفان من خلال تشكيل بعض الشيعة المتطرفين ظهيرا مسلّحا بدعوى مناصرة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وفي المقابل لايمكن أن نخرج «معاوية بن أبي سفيان» من ريادة الحركة المعارضة المسلحة التي حاربت الحاكم الفعلي وفق الشورى علي بن أبي طالب رضي الله عنه،وهي حركة ميليشية معارضة مسلّحة أنتجت فيما بعد سقوط الخلافة و تأسيس الدولة الأموية اعترض عليها كبار الصحابة و التابعين في ذلك الوقت، وكان هذا التأسيس هو المفهوم الأول «لدولنة الميليشيات».
وفي القرن الخامس الهجري ظهر نوع من الميليشيات رسخّت لأسلوب «الاغتيالات السياسية» وهي جماعة الحشاشين بقيادة حسن الصباح لفرض معتقدهم الديني،وهي كما يعلم الجميع جماعة تنتمي للطائفة الإسماعلية الشيعية،وهو أسلوب نجده بارزا في استراتيجية «الميليشيات الحوثية» اليوم.
لاشك أن «فكرة المؤامرة» على الحاكم السياسي هي فكرة غارقة في القدم وهي مكررة في كل زمان و مكان لكنها ظلت فردية ذات طابع سري و دسائسي،كما أن فكرة التنظيم الجماعي الموجه المسلّح ليس أيضا بجديد فنجده ممثلا في ميليشيات أبي مسلم الخرساني الذي أسقط الدولة الأموية،وميليشيات الزنج في الدولة العباسية،وميليشيات القرامطة التي «تدولنّت» فيما بعد.
وفي التاريخ السياسي العربي الحديث استظل مفهوم الميليشيات غالبا و ظلما بالحركات التمردية المسلّحة التي قادها العسكر في كل من مصر و العراق و اليمن و ليبيا و سوريا ليقضوا على الحكم النظامي فيها ،والتي أسست في ضوئها تلك الحركات «دولنة الميليشيات» الدولنة التي ظلمت الشعوب ونشرت الخوف و عاثت في الأرض فسادا حتى الربيع العربي.
كما بدأت مع أوائل الانتداب البريطاني في فلسطين الميليشيات الصهيونية التي كانت تقوم بقتل الفلسطينيين،والتي أسست النواة التكوينية للجيش الإسرائيلي و إسرائيل اليوم لنجد أنفسنا مرة أخرى أمام واقعية «دولنة الميليشيات».
قد يجد البعض أن ما سبق هو خلط بين القيمة واللاقيمة الحق و الباطل الثورة و الانقلاب.
وهنا على المرء أن يحدد الضوابط المانعة للخلط والكافلة بحماية حق الدلالة و تداولها.
لكن هل بالإمكان التحكم في وضع تلك الضوابط؟ حسبما أعتقد لايُمكن لسببين هما:
خداع الاسم،و والقوة المتحكمة في التفسير و التأويل، و من ثم تأسيس الذاكرة التاريخية الموجهة،وهذان السببان يجعلان من الصعوبة التحكم في ضبط الحقيقة و المصداقية.
فكل الانقلابات العسكرية في الوطن العربي من الخمسينات و الستينات من القرن العشرين التي أسست «دولنة الميليشيات» تسترت تحت رمزية «الثورة» وهو تستر رسّخ لخداع أسماء تلك الانقلابات بمساعدة جوقة من الأدباء و المفكرين ،لكن التاريخ الحقيقي غالبا ما يبرز حقيقة الاسم و لو بعد حين.
كما أسست أدبيات تلك الانقلابات من خلال التأويل و التفسير الموجهين لمبادئ خادعة أمّلت الشعوب بحياة الرفاهية و الحضارة، و الحقيقة أنها انحدرت بهم في ظلمات الجهل و الفقر.
لكن مالا تدركة دولة الميليشيات و مالا تستطيع استنتاجه من التاريخ أن الحكم الديكتاتوري لا يستطيع الصمود إلا ثلاثة أجيال ثم يتهاوى كبيت رمل.
أما ميليشيات حزب الله والحوثيين والحشد الشعبي فهم دراما جديدة لفكرة قديمة وهذا حديث آخر.