فيصل أكرم
عرفتُ كثيراً ممن نطلق عليهم مسمّى (الناس البسطاء) وكلما عرفتُ منهم أكثر، تأكدتُ أن لا بساطة مع الحياة.. ربما أكون أكتشفُ لأول مرة أن اليُتم والغربة والوحدة والآلام ليست هي وحدها المكوّنات لأسباب تجعل الحياة صعبة، بل المقابل المعاكس لها من نِعمٍ أدواتٌ لصعوباتٍ أخرى في الحياة..
وعرفتُ كثيراً ممن نطلق عليهم مسمّى (الناس المبسوطين) وكلما عرفتُ منهم أكثر، تأكدتُ أن لا بساطة مع الحياة.. ربما أكون أكتشفُ للمرّة الأولى أن الفقر والجهل والمذلة والأمراض ليست هي وحدها الأسباب لمكوّنات تجعل الحياة صعبة، بل المقابل المعاكس لها من نِعمٍ أدواتٌ لصعوباتٍ أخرى في الحياة..
هل كررتُ مفردة (الحياة) أم كررتُ (الكلام) نفسه؟؟
لا الحياة مجرد كلام، ولا الكلام مجرّد حياة. هناك صمتٌ في الحياة وهناك موتٌ في الكلام. وهناك...
لثغةُ طفلٍ يفهمُ أنَّ الصمتَ حلالٌ
حين يكونُ الصوتُ حراما
يفهمُ أنّ الموتَ سماءٌ
حين تكونُ الأرضُ كلاما
والكلام وسيلة ألهمنا الله إلى استخدامها ولكنّ أكثرنا جعل من الكلام مهنة يستخدم من أجل ممارستها كل الوسائل، مشروعة كانت أو محرّمة، فهناك من يقتل لكي يتكلّم، وهناك من يأخذ دور القتيل حتى يجد من بين المتكلمين عنه وعن موته ما يليق بكلام جديد أو حتى اجترار الكلام..
قلتُ: كيف ينبسط الناسُ، وقد عرف كل إنسان من الدنيا صعوده وهبوطه منذ إطلاق صرخته الأولى وحتى كل شهقةٍ لا تزال تتردد على صدره ليرتفع ثم... كيف ينبسطُ الناسُ على أرض لم يعد لها من صفتها (البسيطة) ملامح ولا حتى قسَمات؟!
سأقولُ في وجهِ الحياةْ
سأقولُ: ما قد عاشَ فينا،
قد أماتَ الصمتَ فينا.. ثمّ ماتْ
فانظر معي
اقرأ
تأمّلْ
واحتملْ
لو ما استحالتْ ذكرياتُكَ أمنياتْ
سيعودُ صوتكَ سابحاً ومسبّحاً
يتلو على الدنيا كتابَ المعجزاتْ.
وبكل صدق الدنيا – إن ظلّ في الدنيا صدقٌ – أرى وأتلمّس وأتفهّم، أننا قد أصبحنا وأمسينا بأمس الحاجة إلى معجزات تعيدنا إلى بساطةٍ ولو واحدة، يحتاجها الناسُ البسطاءُ والمبسوطون على حدّ سواءْ
ككتابٍ يُقرأ في صمتٍ
تحتَ الأضواءْ
كنوافذ تُفتح في بيتٍ
يلتفُّ عليه الشارعُ من كلّ الأنحاءْ
للناسِ الناسُ
وللبسطاء قلوبٌ تفرحُ بالأشياءْ.
فيا هذه الدنيا التي لم يعد فيها من البساطة ولا الانبساط شيءٌ: ترفّقي بنا، وإن قسونا عليك.. فلقد جعلناكِ صعبةً علينا، ونحن أبسط منك والله. انبسطي قليلاً برغم أنوفنا، لكي نتعلّم منك كيف ننبسط، وكيف نكون بسطاء، وكيف نكون مبسوطين. فنحن بهذا جهلاء.. جهلاء.