سعد بن عبدالقادر القويعي
في خطابه الوداعي في شيكاغو، والذي كان استعراضاً أكثر منه خطاباً، شكر باراك أوباما - الرئيس الأمريكي الرابع والأربعون للولايات المتحدة - على الإنجازات التي تحققت خلال ولايتيه المتعاقبتين مواطنيه على الدعم الذي قدموه له، مؤكداً أن الولايات المتحدة هي اليوم « أفضل، وأقوى « مما كانت عليه، عندما اعتلى السلطة قبل 8 أعوام، - وعليه - فإن تلك الإستراتيجية التي انتهجها أوباما، اندرجت في رؤية شاملة للأمن الأمريكي، والذي لا ينفصل في ظلها عن الأمن الوطني الداخلي، وعن الأمن القومي، بل كانت تتعامل في ظلها كل مؤسسات الدولة في تناغم طبيعي.
بدا خطابه باهتاً بلا بريق؛ نتيجة تركته المخزية، بعد أن حمّل الكثير من الانتقادات حول العالم جرّاء السلبية المفرطة في التعامل مع ملفات مهمة، وحساسة، وخطيرة، انعكست على المجتمع الدولي - برمته -؛ كونه لم يتبن مقاربات وسطية حيال العديد من الأزمات الدولية. فهو من اعترف بشكل من أشكال العجز حيال المستنقع العراقي الذي صنعته أمريكا، ولم ينجح في إيجاد بديل للحضور العسكري الأمريكي - هناك - بمجموعة صلبة من الشراكات المدنية، والاقتصادية، وغيرهما؛ للمحافظة على النفوذ الأمريكي. كما تخاذل عن حل النزاع السوري الذي أسفر عن أكثر من 300 ألف قتيل، وشرّد ملايين آخرين، ورفع العقوبات عن إيران دون أن تتخلى عن طموحاتها في تطوير أسلحة نووية - من تلقاء نفسها -، أو أن تقدم تنازلات على طاولة المفاوضات الدبلوماسية؛ الأمر الذي أدّى إلى استفحال الفوضى، والطائفية اللذين تغذّى عليهما تنظيم داعش الإرهابي، - إضافة - إلى فشله الذريع - خلال السنوات الثماني في الحكم - في تحقيق أحد وعوده الانتخابية، وهي إغلاق معتقل غوانتانامو، والذي يرمز إلى تشدد الولايات المتحدة في التصدي للإرهاب.
باتت أمريكا أكثر انقساماً، وحقداً، وتشكيكاً في عهده. فهو من قزّم قيادتها، وأضعف نفوذها بمواقفه الخاطئة؛ حتى وإن كانت السياسة الأمريكية - غالباً - ثابتة المعالم، - وخصوصاً - في ملفاتها الخارجية، وكل ذلك حدث نتيجة عدم قدرته على تقيم رابطة تفاضلية بين الواقعية، والمثالية، وإيجاد حلول بوحدة النسق الناظم لقضايا هذه المنطقة؛ مما سبّب نفس المشاكل في العلاقات - الأمريكية العربية -، وما نتج عنها من أخطار أخلاقية، والتزامات أمنية مرهقة.
وسط فوضى سياسية في المنطقة، فإن على صنّاع السياسات الأمريكية أن يختاروا الطريق الصحيح، - لا سيما - بعد فشل أوباما في ترك بصمة خير للعالم، - سواء - كانت دوليّة، أو محليّة؛ وليقف على الجانب الخطأ من التاريخ، واتجاه المنطقة نحو المزيد من الفوضى.
ومن ثم فإن على الرئيس القادم لأمريكا، أن يكون متناغماً مع إطار الرؤية الكلية للسياسة الخارجية، وللأمن القومي الأمريكي، وبالتالي أن يكون أكثر عقلانية، وأكثر حكمة في صوغ علاقات مسؤولة، وواقعية، وبالذات مع القيادات الخليجية؛ من أجل التأثير جذرياً في مستقبل المنطقة العربية، وغيرها.