د.عبدالعزيز الجار الله
كان التركيز في السابق وما زال على المدن المليونية الرئيسة بالمملكة بسبب الطبيعة الدينية والسياسية والقيمة الاقتصادية: الرياض، مكة المكرمة، جدة، الدمام، المدينة المنورة. مدينتان مقدستان غرب المملكة، وميناء على البحر الأحمر غرباً، وميناء آخر على الخليج العربي ومورد نفطي شرق، وعاصمة سياسية في الوسط. هذه هي المدن الأكثر جذباً للسكان منذ تأسيس السعودية الحديثة على يد المؤسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله رحمة واسعة-، ثم اتجهت الدولة إلى تعزيز مقرات عواصم المناطق بعد صدور نظام المناطق الأخير عام 1412هـ - 1991م وأصبح التركيز على عواصم (13) منطقة، وفي عام 1425هـ - 2005م بدأ الاهتمام بالمحافظات الكبيرة والمدن الرئيسة من غير العواصم وظهر ذلك واضحاً بإنشاء المدن الجامعية والمدن الصناعية والإنتاجية والمدن العسكرية ومدن الموانئ والنفطية، لكن الاهتمام النوعي لم يكن شاملاً كل محافظات المملكة بنفس الخدمة والرعاية إنما فرضت القيمة الاقتصادية والحاجة الاستثمارية كامل الرعاية، فلم تكن شاملة تغطي مدن المملكة وتتبع منهجية وخططاً معلنة، وهذا ليس عيباً في التخطيط؛ فالعديد من الدول تتبع هذه المنهجية في إدارة مدنها كمنطقة سياسة محددة، لكننا نحن في هذه المرحلة بحاجة إلى سياسة تخطيطية لتنمية المدن والمحافظات الصغيرة والمتوسطة للدفع بها وجعلها محافظات مليونية تضم داخلها مدناً صغيرةً للحد من الهجرة إلى المدن الخمس الكبرى وأيضاً حتى لا يتم تعطيل المدن الأخرى وبالتالي تعطيل الدورة الاقتصاد المحلية للتجمعات السكانية.
الأمير فيصل بن بندر أمير منطقة الرياض يقوم هذه الأيام بجولات عديدة على محافظات غرب الرياض: القويعية والمزاحمية، مرات وضرماء، وشقراء وحريملاء وثادق، والدوادمي وعفيف، وهي زيارات شبه سنوية ومنتظمة، وهذا الأسلوب الإداري يتبعه أكثر من أمير منطقة وفي الفترة الأخيرة أصبحت منتظمة بعد أن كانت متباعدة، تهدف هذه الزيارات إلى أهداف عديدة منها الاطمئنان على الخدمات المقدّمة وربط المحافظات بمقرات المدن وسرعة تنفيذ المشروعات وإيصال أكثر من رسالة بأن المحافظات ليست بعيدة عن الرقابة، وبأن المحافظات هي الحاضن المستقبلي للسكان، وهي المورد الاقتصادي في مرحلة تنويع مصادر الدخل بعد التحول الوطني، وأن المحافظات هي شريك الاستثمار القادم وما المدن الجامعية والاقتصادية والإنتاجية التي أنشئت بها إلا دليل على العزم على الانتقال إلى تحول وطني تكون فيه المحافظات المحور المحرك لهذا التطوير والتنويع.